القاهرة وتراث ريادة الأعمال الجزء الأول
هذا المقال جزء من سلسلة اقتصاديات الحضر وهو نشرعلى موقع progrss تحت رعاية district coworking space
في الثلاثينيات من القرن الماضي، ترك صبي في الحادية عشرة من عمره قريته هارباً إلى القاهرة، و أصبح مساعداً لإسكافي أجنبي كان يصنع الأحذية للعائلة المالكة في مصر. وبعدها ب ٢٠ عاماً، وفي أعقاب عام ١٩٥٢ وبعد الإطاحة بالملك فاروق، أجبر الإسكافي على مغادرة مصر، تاركاً للشاب – الذي كان قد أتقن الحرفة – أكبر وأشهر ورشة أحذية في العاصمة المصرية. ولكن تجاوزت طموحات الشاب معلمه، وفي عام ١٩٥٤، أنشأ أول مصنع للأحذية في مصر؛ فهذا الرجل هو محمد لطفي، صاحب ومؤسس محلات "لطفي" الشهيرة للأحذية.
نعرض في سلسلة ريادة الأعمال على مدار أربعة أجزاء دراسة العوامل التي تؤثر على أصحاب المشاريع المقامة في القاهرة، بداية من دخول الأسواق والموارد البشرية إلى الثقافة وهياكل دعم السياسات و الآليات.
غالبا ما ينسب لطلعت حرب الذي قام بتأسيس بنك مصر كمؤسس لريادة الأعمال في القاهرة، وبالرغم من ذلك فروح المبادرة وريادة الأعمال المصرية لديها جذور أعمق بكثير. صممت القاهرة منذ تأسيسها عام ٩٧٣ قد أنشأت لتكون مركزاً للتجارة والصناعة في مصر حيث جاء إليها التجار والحرفيين لعرض بضاعتهم في كل مكان. ولا تزال هذه الصناعات موجودة حتى يومنا هذا، من ورش تصليح السيارات في الحرفيين، وورش الرخام في منطقة شق الثعبان إلى الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية بشارع عبد العزيز.
وكان إسماعيل أبو طاقية من أوائل رواد الأعمال الذين بدأوا عملهم في القاهرة في القرن السادس عشر. كان أبو طاقية يقوم باستيراد القهوة من اليمن لمصر.. حينها كانت هذه الخطوة تمثل مخاطرة كبيرة حيث كانت المقاهي مسيسة لدرجة كبيرة إلى الحد الذي جعل بعض رجال الدين المتشددين يصدرون فتاوى بتحريم شرب القهوة. كما استثمر أبو طاقية في مجال صناعة السكر، وعلى الرغم من امتداد تجارته من الهند إلى نيجيريا، إلا أن هذه الإمبراطورية انهارت بعد وفاته، تاركاً لنا معلومات قليلة جداً عن العلامة التجارية التي صنعها في القرن السادس عشر. وبينما هناك أمثلة أخرى لرواد أعمال مثل أبو طاقية، إلا أن هناك القليل من المعلومات المسجلة عنهم، مما يجعل من المستحيل للمؤرخين جمع قصص وتاريخ رواد الأعمال المصريين لهذه الفترة المبكرة.
ولكن هذا النوع من ريادة الأعمال المتأصل في تجربة أبو طاقية تضاءل على مر السنين، وعلى الرغم من وجود العديد من الأمثلة المشابهة في تلك الحقبة الزمنية إلا أن ثقافة الشركات الناشئة ظلت غائبة عن لغة السوق الدارجة حتى وقت قريب جداً. وفي القرن العشرين، وتحديداً في الستينات كانت أحد أهداف الطبقة الوسطى هي الحصول على الوظيفة الحكومية المضمونة والتى تؤمن مستقبل صاحبها بعد التقاعد. ثم ومع عصر الإنفتاح ظهر التوجه للعمل في شركات المقاولات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات (multinational corporations). وبشكل موازي للوظيفة كان هناك العديد من أصحاب المشاريع ورواد الأعمال مثل أبو طاقية ولكن لم يحظوا بفرصة الظهور وتسليط الأضواء على مجهوداتهم.
مفردات جديدة لممارسات قديمة
واليوم يعتبر المبتكرين أمثال أبو طاقية أصحاب مشاريع ورجال أعمال ويشار إليها اليوم "بريادة أعمال." وهناك العديد من العوامل التي أدت إلى ظهور مصطلح "ريادة الأعمال" في السياق الرئيسي للغة الأعمال بمصر، ومن ذلك خطاب للرئيس الأمريكي باراك أوباما بعنوان "بداية جديدة" في جامعة القاهرة عام ٢٠٠٩. وحينها وعد أوباما بعقد مؤتمر قمة للمشاريع التجارية والذي عرف فيما بعد بقمة ريادة الأعمال الدولي "Global Entrepreneurship Summit (GES)" وقد عقدت دورته السابعة في وادي السيليكون في يونيو الماضي. ومنذ ذلك الحين، انتشرت كلمة "ريادة الأعمال" وصارت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بانشاء مشروعات قائمة على الابتكار والتكنولوجيا ومعدل النمو المرتفع.
بالإضافة إلى خطاب الرئيس الأميركي، هناك عوامل أخرى جعلت ريادة الأعمال أكثر جاذبية (لاسيماً للشباب تحديداً). وتشمل هذه العوامل جهود الجهات المانحة والممولة للمشاريع الناشئة، والآثار المترتبة على أزمة الإقتصاد العالمي؛ وجهود العديد من مؤسسات المجتمع بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية؛ وأيضاً الثورة الفكرية والتكنولوجية التي أعقبت اندلاع ثورة ٢٠١١.
وفقاً لأيمن إسماعيل الأستاذ المساعد والرئيس الفخري لمركز عبد اللطيف جميل لريادة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة Venture Lab، فإن للشركات الناشئة أنواع وأحجام ومعدلات نمو مختلفة. وقد ذكر في تعريفه أن "أي شخص بدأ مشروعه الخاص، سواء كانت شركة تكنولوجيا، أو محل صغير، أو ورشة عمل حرة هو رائد أعمال. فهو مبادر وتحمل المخاطر وجمع الموارد المتاحة لإنشاء شيء جديد لم يكن موجود من قبل. قد يكبر مشروعه ليصبح سلسلة شركات لها أكثر من فرع وقد تبقى شركة واحدة صغيرة لمدة ٥٠ عام، كل هذا يعتمد على قرارات رائد الأعمال وفرص السوق."
وفي حين برع أيمن إسماعيل في تعريفه لريادة الأعمال، لم تنجح ٢٠ مقابلة مع أصحاب مشاريع وأساتذة وخبراء في مجال ريادة الأعمال في الوصول إلى تعريف واحد لريادة الأعمال وعلى العكس أوضحت المقابلات أنها كلمة فضفاضة تحمل الكثير من المفاهيم والآراء.
عاش رائد الأعمال والمستثمر كون أودونيل في القاهرة ما يزيد عن ٢٠ عاماً ومقره اليوم يقع في الGrEEK Campus وهو مقر يجمع رواد الأعمال في وسط القاهرة يقع في جزء من المقر السابق للجامعة الأمريكية بالقاهرة. في عام ٢٠٠١، أسس أودونيل شركة سرمدي صاحبة مواقع مثل filgoal.com, filfan.com and filbalad.com وقد بيعت سرمدي لشركة فودافون عام ٢٠٠٨.
واليوم، هو جزء من الفريق المؤسس لقمة "رايز آب" (Egypt RiseUp)، وهي قمة سنوية لريادة الأعمال تستضيف أربع آلاف شخص من أكثر من ٤٩ دولة في فعاليات تستمر لمدة ثلاثة أيام. ومازالت جدران الGrEEK Campus تحمل الطلاء الأصفر والذي يمثل بصمة رايز آب عندما نتقابل هناك.
كشخص شارك كثيراً في تطوير ثقافة ريادة الأعمال في القاهرة عن كثب، أوضح أودونيل إن واحداً من أكبر التحديات التي تواجه ريادة الأعمال هو اللغة. و يقيل: "يحتاج الأمر إلى تبسيط محتوى اللغة الإنجليزية ومن ثم ترجمته إلى العربية الدارجة. هناك خطوات اتخذت بالفعل ولكن نحتاج أن يصل الأمر لعموم المصريين ويجب أن يحدث هذا بشكل تلقائي."
ترقبوا الجزء الثاني من المقالة الأولى في سلسلة اقتصاديات الحضر.
هذاه المقالة برعاية
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات