لماذا لا يرغب المستثمرون والصناديق في المغامرة بالاستثمار في الشركات الخضراء؟
لماذا لا يرغب المستثمرون والصناديق في المغامرة بالاستثمار في الشركات الناشئة الخضراء؟ تلقت الشركات الناشئة في مصر 49 تمويلا من صناديق استثمارات رأس المال المغامر ومستثمرين ملائكيين خلال عام 2020، بحسب المتتبع الخاص بنا في إنتربرايز بزيادة اقتربت من 50% مقارنة بـ 33 تمويلا في عام 2019. وركزت أغلب التمويلات على شركات المدفوعات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية. أما الشركات التي تعمل في مجالات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الزراعية، وإدارة الموارد المائية والمخلفات، فلم تسجل أي تمويلات معلنة في 2020.
ما الأسباب وراء ذلك؟ تقف مجموعة من الأسباب وراء ضعف تمويل الشركات الخضراء، منها ندرة التمويل، وقدرة تلك الأعمال على التوسع، إضافة إلى ارتفاع احتمالية خروجها من السوق، كل هذا بالطبع بجانب التأثيرات المتعلقة بكوفيد-19، بحسب المصادر التي تحدثت إلى إنتربرايز. وقال أحمد زهران، الرئيس التنفيذي لشركة كرم سولار للطاقة إن عام 2014 شهد "موجة خضراء كبيرة" مع دخول نحو 130 شركة جديدة إلى القطاع. ويشرح زهران أن السبب وراء ذلك هو أن الفترة شهدت نقاشا واسعا حول التغير المناخي ساهم في تأسيس عدد كبير من الشركات التي يعاني بعضها الآن، والبعض الآخر خرج من السوق. ونحاول الآن فهم الأسباب وراء عزوف المستثمرين عن الشركات الناشئة الخضراء.
تكمن المشكلة الأكبر في تراجع أعداد الشركات الناشئة في مجالات الاقتصاد الأخضر. بحسب خالد إسماعيل، الشريك الإداري في صندوق الاستثمار هيم إنجل، تعاني سلسلة إمداد الاقتصاد الأخضر بشكل عام من التراجع سواء على مستوى المستثمرين أو على مستوى الشركات الناشئة. فعلى عكس شركات التكنولوجيا، تراجعت أعداد الشركات الجديدة في مجال الاقتصاد الأخضر، كما تراجعت قصص النجاح المحلية في القطاع من حيث التأثير والعائد على رأس المال، ما جعلها أقل جاذبية بالنسبة للمستثمرين.
يأتي بعد ذلك محدودية إمكانات النمو في هذه الفئة من الشركات الناشئة. "تحتاج الاستثمارات صاحبة التأثير الاجتماعي إلى الكثير من التوعية كما لا يوجد مجال كبير للتوسع في البداية". بحسب حسن منسي، مدير برنامج ستارت إيجيبت الذي تدعمه فلات 6 لابز. عدم وضوح سبل التخارج ونماذج الأعمال المعتمدة بشدة على الأصول ليست جذابة للمستثمرين. "كمستثمر، فأنت تبحث دائما عن إمكانات التوسع الكافية للقيام بالمجازفة والاستثمار ومن ثم تحقيق الأرباح والانتقال إلى استثمار آخر". بحسب علي الشلقاني رئيس كايرو إنجلز. ويضيف الشلقاني أن في الاستثمارات الخضراء تحديدا سبل التخارج غير واضحة، كونها في الأغلب استثمارات تعتمد بشدة على الأصول بعكس شركات التكنولوجيا سريعة النمو.
أما العنصر الثالث فهو الاختلاف الكبير في دورة التدفقات النقدية في الشركات الخضراء بالمقارنة بشركات التكنولوجيا. وقد تستمر التدفقات النقدية السلبية في الشركات الخضراء إلى ما بين 6 – 8 شهور حتى تبدأ في التعافي، وتلجأ الشركات الخضراء الناشئة في الأغلب إلى القروض البنكية أكثر من صناديق رأس المال المغامر. بحسب اسماعيل. ومع ذلك يرى إسماعيل أن "القروض البنكية تتطلب في الأغلب شروطا كثيرة، بالأخص شروط الاستحقاق، ما يجعل من الصعب على الشركات الجديدة الحصول عليها".
التأثيرات المتعلقة بـ "كوفيد-19" لم تساعد في تحسن الأمور. ويعتقد زهران أن ندرة الاستثمار في الشركات الخضراء خلال 2020 أمر "طبيعي" بسبب تداعيات الجائحة. وبحسب منسي، فإن جائحة "كوفيد-19" كارثة صحية وليست بيئية، ما يجعلها بشكل ما ليست أولوية خلال الأزمة.
هل هذا يعني عدم وجود مستثمرين مهتمين بالشركات الخضراء الناشئة؟ ليس بالضرورة. ولكن يحتاج الأمر فقط إلى نوع معين من المستثمرين لدعم مثل هذه الاستثمارات. فبحسب نور العسال، المدير التنفيذي والشريك المؤسس في شركة إدارة المخلفات الناشئة "تجدد"، المستثمرون الذين يضخون أموالهم في الشركات الخضراء غالبا ما يكونوا من أصحاب الخبرة ومع جهات ذات خبرة. وأضاف العسال أن المؤسسات التي استثمرت سابقا في القطاع تشمل كايرو إنجلز وهيم إنجل، ويؤكد زهران ذلك، مضيفا أن المستثمرين المهتمون بكرم سولار هم عادة من المتخصصين في المرافق ويستثمرون في محطات المياه والطاقة.
الطلب طويل الأجل لا يزال أحد العوامل الجاذبة للاستثمار في الشركات الخضراء. وينصح منسي "إن كنت تبحث عن الاستثمارات في تلك الأوقات الصعبة، عليك التركيز على تقديم حلول للمشكلات الحقيقية التي تواجه السوق، ويمكن أن يمنحك ذلك أفضلية من حيث إمكانات النمو وتحقيق الإيرادات". هذا هو ما يضمن خلق الطلب في السوق. إنقاذ البيئة وحدها لن يضمن لك تحقيق أرباح. وبحسب زهران فإن "الشيء الجيد هو أن الشركات الناشئة التي تعمل في مجالات الخدمات والطاقة هي بمثابة استثمارات آمنة وطويلة الأجل وتملك فرص نمو كبيرة في المستقبل".
تتطلب طبيعة الاستثمارات الخضراء أدوات استثمار قد لا تكون بالضرورة صناديق رأس المال المغامر أو المستثمرين الملائكيين. وبحسب مبادرة سويتش ميد التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن أحد أهم الاحتياجات والفجوات التي ينبغي سدها في مصر هي تحسين الإتاحة والوصول إلى صناديق متخصصة تستهدف رواد الأعمال في مجال الاقتصاد المستدام.
ومع ذلك، فإن صناديق رأس المال المغامر ربما بدأت تهتم بالاقتصاد الأخضر. على الجانب الإيجابي، قد تساعد البيانات الكثيرة المتاحة عالميا حول الشركات الخضراء في إقناع المستثمرين بالفرصة التي يقدمها القطاع، بحسب العسال. ويرى العسال، الذي تجذب شركته حاليا عددا من الاستثمارات، أن مناخ الاستثمار في الربع الأخير من 2020 والربع الأول من 2021 أفضل كثيرا من الفترات المماثلة في العام السابق. وعلى سبيل المثال، فإن نموذج استثمار في سي إيجبت فينشرز يجمع بين التمويل الحكومي ومشاركة القطاع الخاص، وفقا لمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ويرى مصطفى حسنين، المدير التنفيذي لشركة حلول الزراعة المائية "بلاج آند جرو" أن المستثمرين بدأوا يعودون إلى الاستثمارات الخضراء من خلال شركات التكنولوجيا الزراعية. وفي سبتمبر الماضي، قدمت مسرعة الأعمال تشاينج لابس تمويلا لثلاثة عشر شركة ناشئة، منها سبع شركات تعمل في مجالات الاقتصاد الأخضر.
ومن المحتمل أن نرى صعودا في الشركات المتخصصة: تستحوذ الشركات الخضراء على 70% من محفظة ستارت إيجيبت، من بينها شركات تركز على الطاقة المتجددة وأخرى تعمل في الزراعة. وكشف منسي عن عزمهم "استهداف الشركات صاحبة الأثر الاجتماعي من خلال جولتي تمويل لدفع النمو في النصف الثاني من عام 2021 تتبناهم فلات 6 لابز". كما قال الشلقاني لإنتربرايز أن إنشاء صندوق للتكنولوجيا الزراعي هو فكرة تدرسها كايرو إنجلز.
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات