أنت هنا

مناقشات حول التفكير التصميمي

في إحدى أيام حظر التجول بسبب فايروس كورونا، نشَطَ موضوع على الإنترنت في جمعية الابتكار والتقنية حول جدوى التفكير التصميمي (Design Thinking). وجمعية الابتكار والتقنية هي أول جمعية سعودية تركّز على الابتكار المؤسسي وتضم نخبة من المتخصصين في مجال الابتكار في المملكة. ولقد كانت فرصة مميزة للاستماع لآراء المتخصصين الذين تباينت آرائهم بين ناقد لمنهجية التفكير التصميمي ومدافع عنها، وفريق آخر كان مستمعاً مستمتعاً يشجع الفريقين على مواصلة النقاش.

كوني أحد المؤمنين بمنهجية التفكير التصميمي كطريقة لإيجاد حلول إبداعية للتحديات، وكوني رأيت أثر المنهجية وسحرها مرات عديدة، وليس من رأى كمن سمع، فقد قررت جمع جميع الانتقادات التي وُجهت للمنهجية من قبل الإخوة المشاركين، بل وجمعت معها بعض النقد الذي وجدته في بعض المقالات على الإنترنت لأرد عليها، ليس انتصاراً للمنهجية ولا انتصاراً للنفس، ولكن تِبياناً للصواب الذي نراه وتوضيحاً لبعض سوء الفهم الذي وجدناه.

وقبل أن أبدأ بالتعليق أود أن أوضّح بأن التفكير التصميمي كغيره من المنهجيات هي من صُنع البشر، والبشر يعتريهم ما يعتريهم من النقص، فهي بلا شك قابلة للنقد والتطوير، وإني والله لأفرح عندما أجد نقداً بناءً للمنهجية يرمي لجعلها منهجية أفضل، أو أنه نقد يأتي بمنهجية جديدة أفضل وقابلة للتطبيق.

الطريقة التي سنتبعها هنا هي ذكر النقد ومن ثم الرد عليه، فنبدأ مستعينين بالله:

1.  التفكير التصميمي ضعيف الفلسفة وليس له تاريخ ولا أصالة:

صاحب هذا القول في الغالب لم يقرأ تاريخ تكوّن التفكير التصميمي ولم يفهم أصالته. تشكلت فلسفة التفكير التصميمي من خلال عدة مدارس وفنون، مثل التصميم وبحوث العمليات وبحوث التسويق وإدارة تجربة العميل وعلم النفس وغيرها، ومن أهم الفنون علم التصميم، حيث شكّل نمط تفكير المصممين القاعدة الرئيسية لعمليات التفكير التصميمي، والتي عبّر عنها المجلس البريطاني للتصميم في عام 2005م بنموذج الماسة المزدوجة "Double Diamond" والذي هو تعديل على نموذج التقاربي – التباعدي (Divergence-Convergence Model). يحتوي نموذج الماسة المزدوجة على أربعة خطوات وهي مشابهة تماماً لنموذج التفكير التصميمي (اكتشف – عرّف – ابنِ – قدّم). كما استطاع التفكير التصميمي الاستفادة من منهجيات الابتكار والتصميم السابقة له، وجمعها في منهجية واحدة، ومنها:

  • الابتكار المرتكز على التصميم
  • التصميم التعاطفي
  • التصميم التشاركي
  • التفكير البصري

استطاع التفكير التصميمي توظيف حزمة من الأدوات الموجودة ودمجها بذكاء في خطوات ومراحل المنهجية، وتقديمها بشكل سهل للتطبيق، مثل:

  • طريقة العصف الذهني (Brainstorming) التي طورها أليكس أوزبورن 1939م، ونشرها في كتابة عام 1953م.
  • أداة الشخصية (Persona) التي طورها ألين كوبر في 1983م.
  • أداة خارطة التعاطف/التقمص (Empathy Map) التي عرضها ديفيد جراي في كتابه (جيم ستورمنج) المنشور في 2010م.
  • خارطة تجربة العميل (Customer Experience Map).

ما يميز التفكير التصميمي أنه استطاع توظيف الأدبيات والنظريات والأدوات والمنهجيات من علوم متعددة ومشتتة، وأعاد تقديمها بطريقة مبسطة، وشيقة، وممنهجة، وسلسلة، وقابلة للتطبيق (على خلاف الممارسات السابقة)، وهو ما ساعده على الانتشار السريع في بيئات الأعمال والمؤسسات التعليمية والجامعية.

2.  التفكير التصميمي هو عبارة عن عمليات خطية (Linear Proces) والابتكار لا يمكن أن يكون خطي:

الرد على هذه النقطة بسيط وهو أن ممارس منهجية التفكير التصميمي يعلم أنها ليست عملية خطية (Linear Process) – أي تكون خطوات الابتكار تبدأ وتنتهي بدون السماح بتكرار للخطوات أو التنقل بينها أو العودة للخطوات السابقة، ولكنها عمليات متكررة (Iterative Process) أي يُسمح للمبتكر بالتنقل والعودة وتكرار الخطوات حسب الحاجة وتحقيق المطلوب من كل خطوة. تستمر العملية وتتكرر للوصول إلى أفضل حل إبداعي.

3.  لاحظت أن المنهجية تقيّد تفكيري كمخترع:

المنهجية هي خطوات مرتبة تساعدك في الوصول إلى حل إبداعي للمشكلة، وليس الهدف من الترتيب والتنظيم هو تقييد التفكير على الإطلاق، بل إن توليد الأفكار في منهجية التفكير التصميمي يمر بمرحلتين: التفكير التباعدي (Diverging) حيث لا يكون هناك أية قيود على الأفكار ونوعيتها، بل نرحب بكل الأفكار المجنونة، ومرحلة التفكير التقاربي (Converging) حيث نلبِس عدساتٍ ثلاث للحُكم على الأفكار، فنحن نريد أفكاراً قابلة للتطبيق، ومجدية مادياً، وتلبي احتياج المستخدم. ولربما يكون في بعض هذه الضوابط تقييد لبعض المخترعين كما ذكروا. وعلى كل حال فلا المخترعين ولا غيرهم ملزمين باستخدام التفكير التصميمي، لكن إن كانوا يواجهون مشكلة معقدة فبلا شك أن اتباع المنهجية سيساعدهم كثيراً.

4.  المنهجية لا تصلح في السعودية (أو مجتمعاتنا العربية بشكل عام) بسبب تجذّر موضوع الطبقية في العمل وسيطرة أفكار أصحاب المناصب العليا:

برأيي أن هذا الافتراض ليس على إطلاقه، لربما اعتقده البعض نتيجة تجربة سيئة مروا بها، لكن الذي نراه وجربناه أنك تستطيع إدارة ورشة العصف الذهني بفاعلية إن كنت تملك الأدوات والقدرات اللازمة، من فهم واضح لقواعد العصف الذهني ووجود ميسّر محترف ووجود الأدوات اللازمة للورشة. وقد أدرنا مئات الورش بفاعلية كبيرة، وبعضها حضرها مسؤولون كبار في الدولة ومعهم موظفون أصغر ورتب عسكرية عالية في الجيش وآخرون برتب أقل وكانوا يلتزمون بقواعد الورشة على أفضل وجه، ولا ننكر أننا واجهنا بعض التحديات، لكننا بفضل الله كنا قادرين على تجاوزها في كل مرة. وقدرة المنهجية على جمع أصحاب العلاقة بالتحدي على طاولة واحدة هو مما يُحسب للمنهجية، فبساطتها وسهولة منطقها جعل من الممكن أن يُشارك فيها عدد كبير من أصحاب المصلحة، الأمر الذي يُسهّل تبنيهم للحل لاحقاً، بدلاً من أن تقوم ثُلّة قليلة بالابتكار وراء الأبواب المغلقة ثم تبدأ الصعوبات في إقناع أصحاب المصلحة بجدوى الحل.

5.  المنهجية تحتاج إلى تقبل للغموض وهذا صعب في مجتمعاتنا:

هذا صحيح إلى حد ما، لكننا عندما ننشر منهجية التفكير التصميمي ننشر معها عقليات معينة مهمة (Mindsets)، ونقول في كل مرة أنك إذا أردت أن تبرَعَ في إيجاد حلول إبداعية للتحديات فلا بد من أن تتبنى هذه العقليات ومنها عقلية تبني الغموض. ومن خلال تجربتنا فإن النتائج جيدة، والأمر يتحسن مع الممارسة والتطوير المستمر.

6.  المنهجية تحتاج إلى تنوع في المشاركين وثقافاتهم وخلفياتهم لأن أغلب الأشخاص في بلداننا لديهم نظرة متشابهة للأمور:

لا شك أن التنوع العلمي والثقافي والاجتماعي يرفع من جودة المخرجات ويزيد من نسبة الإبداع، ولكنّ هذا ليس قادحاً في المنهجية، بل هي مسألة علمية معروفة وموجود في كل مكان، وما لا يُدرك جُلّه لا يُترك كله. فنحن نؤمن بأن مجتمعاتنا تتطور وثقافاتنا باتت تتنوع وإن كانت ليست بمقدار التنوع الموجود في الغرب، لكن هذا لا يعني أن نترك المنهجية حتى يصير التنوع في أحسن أحواله.

7.  نحن نستخدم أساليب أخرى للابتكار ولا نرى أننا يجب أن نستخدم التفكير التصميمي:

هذا شيء جميل ونتمنى مشاركة ونشر هذه الأساليب، فلم يقل أحد أن التفكير التصميمي هو المنهجية الوحيدة، وأنّا له أن يقول. بل إن التفكير التصميمي لا يهدف للمنافسة في ساحة الابتكار، وإنما يُعطي مفهوماً مختلفاً، ألا وهو الابتكار من أجل المستخدم، وليس الابتكار من أجل الابتكار فقط.

8.  التفكير التصميمي ليس منهجية للابتكار أصلاً:

هنا نحتاج أن نعرِف تعريف الابتكار للرد على هذا القول. تعريفات الابتكار كثيرة ولعل ما يروق لي أكثر هو أنه "تطبيقُ شيء جديد يكون له قيمة". وانطلاقاً من هذا التعريف البسيط فإن التفكير التصميمي بلا شك ينتج عنه ابتكارات، وبالتالي فهو منهجية للابتكار. كما أن الناظر المُنصف يرى أنه قد تم إدراج منهجية التفكير التصميمي ضمن مقررات البرامج الأكاديمية للدراسات العليا المتخصصة في الابتكار بجامعات مرموقة، وكذلك معترف بها لدى الجمعيات المهنية المتخصصة بالابتكار. وهذا كله بسبب قوة المنهجية في مجال الحلول الإبداعية والابتكار. ثم من يقول أنّ شركة آيديو، وهي حاملة لواء التفكير التصميمي لم تخرج بابتكارات؟ من يقول أنّ آيديو ليست ابتكارية؟

9.  أن تجمع الناس في ورشة لساعات ثم يخرجون بحل ويعتقدون أنهم يبتكرون فهذا تسطيح لمعنى الابتكار:

ما ذُكر ليس وصفاً لما يحدث في التطبيق الصحيح للتفكير التصميمي، بل إن الناس أحياناً تخلط بين ورشة العصف الذهني التي تتم خلال ساعات ومنهجية التفكير التصميمي. نعم، أحياناً يكون هناك بعض التحديات الطارئة يمكن حلها باستخدام المنهجية بشكل سريع، عادة من يوم إلى خمسة أيام، إلا أن إيجاد حلول إبداعية للتحديات المعقدة يحتاج إلى وقت وجهد بحسب صعوبة وتعقيد التحدي، وليس هو عمل يوم ولا يومين في الغالب. بل إننا في برامجنا نحل التحديات خلال أسابيع، وبعض التحديات يحتاج إلى أشهرٍ عدة. ولقد ذكر لي "تيم براون" وهو أشهر منظري التفكير التصميمي حالياً أن الناس في منطقتنا عادة مستعجلين ويريدون حلولاً سريعة، لكن الابتكار يحتاج إلى وقت.

10. البعض لا يُجيد التجريب المتكرر للحل وهو من أساسيات التصميم:

نعم هذا صحيح، ولكنّ هذا لا يعيب المنهجية بل هو نقص لدى بعض الممارسين، فمن الجيد أن تقضي الوقت الأكبر في الاختبار والتجريب والتعديل، وأذكر أن أحد الابتكارات التي رأيتها في مؤتمر آيديو السنوي في سان فرانسيسكو قد احتاج إلى تجريب أكثر من ١٠٠ نموذج للوصول إلى الحل الأفضل.

11. جربت التفكير التصميمي على مشكلة ولم أجده نافعاً:

هنا توجد احتمالات كثيرة لسبب النتيجة الفاشلة للتطبيق، لكننا نحتاج بشكل أساسي لفهم طبيعة المشكلات التي يصلح فيها استخدام التفكير التصميمي، وبالمناسبة، فإن البشر بطبيعتهم أقدر على حل المشكلات من إيجادها، وهذا بسبب غريزة البقاء فيهم. المشكلات التي تُناسب استخدام التفكير التصميمي هي المشكلات المعقدة، والتي تسمى (Wicked Problems) وهي التي لا يوجد لها حل واضح ولا أسباب واضحة، وغالباً ما تتعلق بسلوك المستخدم وليس بالتقنية. الذي رأيته من خلال تجربتي أن عدداً كبيراً من الناس يفشل في اختيار التحدي المناسب، فتراه يختار تحدٍ يسمى تحدٍ خطي أو مُروّض (Tame or Linear) وهو التحدي الذي لا يحتاج أصلاً للتفكير التصميمي. أو أنّ بعضهم يختار تحدٍ عام جداً فيفشل قبل أن يبدأ. في إحدى المرات جاءنا من يريد تركيب نظام لتوثيق جلسات المحاكمة بالصوت والصورة ويريد تطبيق التفكير التصميمي عليه، فاعتذرنا منه إذ رأيناه غير مناسب للتفكير التصميمي، أنت تحتاج إلى حل تقني فقط فيمكنك البحث عنه في أي مكان.

12. حلول التفكير التصميمي تحتاج إلى تجريب مستمر للوصول إلى الحل النهائي وهذا يستنزف المال والوقت والجهد:

هذا التساؤل ينم عن عدم فهم لطريقة التفكير التصميمي في بناء النماذج الأولية وتجريبها. ففي التفكير التصميمي يكون التركيز على بناء نماذج أولية بسيطة للحل وتجريبها من المستخدمين بسرعة، ثم تكرار العملية بناء على ملاحظات ورأي المستخدمين. التفكير التصميمي يتبنى مبدأ الفشل سريعاً وبأقل التكاليف، ولهذا فإن المنهجية فعلياً توفر الكثير من المال والوقت والجهد مقارنة بالطرق الأخرى التي تأخذ وقتاً طويلاً لبناء نموذج ذا جودة عالية وتجريبه بشكل بسيط جداً بل أحياناً يتم إطلاقه دون تجريب لأننا نعتقد أننا نفهم ما يريده المستخدم ومتأكدين من جودة الحل، لنتفاجأ بفشل ذريع بعد أن استنزفنا الكثير من الوقت والمال والجهد. وهذا ما يحاربه التفكير التصميمي وهذه إحدى مكامن قوته.

13. التفكير التصميمي لا يأتي بأفكار إبداعية، وإنما يأتينا بأفكار مقبولة كونه يجعل المستخدم هو الحاكم على الأفكار، وبالتالي فلن تذهب بعيداً عن ما يقبله عقل المستخدم:

لو رأينا بعض الأفكار الإبداعية التي خرجت نتيجة تطبيق التفكير التصميمي فسنراها تدحض هذا القول جملة وتفصيلاً، ففي مرحلة توليد الأفكار نشجع دائماً الأفكار المجنونة وندعو دائماً إلى الأفكار الغير مألوفة، لكننا في نهاية المطاف لن نختار حلاً غير قابل للتطبيق أو غير مجد من الناحية المالية أو غير مقبول من المستخدم (أي لا يحل مشكلته) بطبيعة الحال. ثم من يقول أنّ شركة آيديو، وهي حاملة لواء التفكير التصميمي لم تخرج بابتكارات؟ من يقول أنّ آيديو ليست ابتكارية؟

14. مستخدمو التفكير التصميمي (أو المصممون) هم من يقومون بتحديد الأفكار التي تصلح للحل دون غيرهم، وهنا قد يتم اختيار الحل لأغراض سياسية أو لما تمليه الفئة الأقوى:

وهذا افتراض تكلم عنه أحد نقاد المنهجية في مجلة هارفارد بزنيس ريفيو، ولربما يكون النقد جاء من واقع تجربة سيئة معينة لكننا لا يمكن أن نعمم هذا على بقية التطبيقات للمنهجية، بل مسألة النوايا وتدافُع القوى والأمور السياسية قد تؤثر في أية منهجية، حتى في أعظم الدول الديمقراطية. فلا نرى هذا جارحاً في منهجية التفكير التصميمي، بل إننا في منهجية التفكير التصميمي نحدد الهدف من المشروع من البداية، والحلول التي تخرج لا بد أن تحقق هذا الهدف بكل بساطة، بغض النظر عن النوايا.

15. المنهجية غير محصورة بمدة محددة، فلا ندري متى ننتهي، بعد أسبوع أو أسبوعين أو حتى سنتين:

تتميز منهجية التفكير التصميمي بسرعة نمذجة الحلول واختبارها، ومن الصعب في أي من نظريات ومنهجيات الابتكار ضمان مدة محددة للخروج بأفضل حل، لكننا بالأسلوب الذي نتبعه نضمن الوصول إلى الحل الأفضل في أسرع مدة ممكنة. ولا شك أن مدى تعقيد المشكلة وخبرة الفريق الذي يعمل عليها تؤثر في مدة الوصول إلى الحل الأفضل. لكننا نكون متأكدين من أننا في نهاية المطاف سنصل إلى حل يحل المشكلة فعلياً ويُلبي احتياج المستخدم. وفي الغالب تُعطى مرحلة النمذجة والتجريب المدة الأطول في عُمر المشروع لأهميتها. مثال بسيط على قوة المنهجية هو التحدي الذي قامت به قناة أي بي سي الأمريكية مع شركة آيديو لإعادة تصميم عربة التسوق خلال ثلاثة أيام، يمكنك مشاهدة الفيديو من هنا.

تجدر الإشارة إلى أن منهجية التفكير التصميمي تُدرّس في كبريات الجامعات في العالم مثل هارفارد وستانفورد وإم آي، تي إضافة إلى الكثير من المعاهد مثل هاسو بلاتنر وجيمي وغيرها. وصارت المنهجية تستخدم بشكل واسع في أكبر الشركات حول العالم، ومن الشركات التي تتبنى التفكير التصميمي بشكل كبير شركات "آي بي أم" و "إس أي بي" وجنيرال إليكترِك ومايكروسوفت وجوجل وأوراكل وآيديو، – بل إن عدداً كبيراً من المستشفيات والجهات الطبية الكبيرة بدأت تتبنى المنهجية بقوة، وعيادات مايو كلينيك الشهيرة هي أحد الأمثلة، وفي السعودية هناك مدينة الملك فهد الطبية. لقد قامت هذه الشركات والمنظمات بتدريب عشرات الآلاف من موظفيها على المنهجية ووضعت لهم أشكال مختلفة من الحوافز. ولكل واحدة من هذه الشركات قصص نجاح عديدة مع التفكير التصميمي ولكن لا يتسع المجال لذكرها.

ولعل من مكامن القوة الإضافية لمنهجية التفكير التصميمي المرونة الموجودة فيها، إذ استطاعت عدة شركات من السابق ذكرها التعديل على المنهجية بما يناسبها وقدمتها للغير بشكل جديد مع الحفاظ على روح المنهجية وعقلياتها، كما فعلت شركة "آي بي أم"، بل إن دراسة أُجريت على عملاء "آي بي أم" الذين استخدموا منهجية التفكير التصميمي أثبتت أن العائد من الاستثمار لديهم قد وصل إلى 301% خلال ثلاثة سنوات، وهذا بلا شك مؤشر على فعالية المنهجية.

وهناك الكثير من الابتكارات والحلول الإبداعية التي خرجت نتيجة استخدام المنهجية، وكانت سبباً رئيسياً في حفظ الأرواح وتطوّر المؤسسات وإسعاد الكثير ممن يعيشون على وجه الكرة الأرضية. هل تعلم أن أول فأرة لشركة أبل أنتجتها شركة آيديو بالاعتماد على منهجية التفكير التصميمي؟ وهل تعلم أنه تم ابتكار جهاز حضانة للأطفال حديثي الولادة في الدول الفقيرة أنقذ حياة الآلاف من الأطفال باستخدام التفكير التصميمي؟ -تجدون الصورة في الأسفل- وهل تعلم أن جهاز الرنين المغناطيسي قد تم تطويره ليناسب الأطفال باستخدام التفكير التصميمي ويجنّبهم التخدير الكامل حيث أن 80% من الأطفال كانوا يحتاجون للتخدير الكامل لاستخدام الجهاز؟ هل تعلم أنه من خلال التفكير التصميمي تمت مساعدة مرضى انفصام الشخصية على تحقيق أهدافهم والاندماج بشكل أكبر مع الآخرين؟ وهل تعلم أنه يتم حالياً تطوير الجيل الجديد من أنظمة الملاحة والترفيه في كبريات شركات السيارات بالاعتماد على التفكير التصميمي؟ بالإضافة إلى الكثير من الأمثلة الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها.

في إحدى المرات، التقيت أحد المتخصصين في التفكير التصميمي وهو يعمل في إحدى أكبر الجهات المتخصصة في التفكير التصميمي في أوروبا. سألته عن كيف تستطيعون إيجاد حلول إبداعية لكبريات شركات تصنيع السيارات في العالم وغيرها من الشركات الضخمة؟ كيف تضمنون أنكم ستخرجون بحلول إبداعية؟

فأجاب: نحن نؤمن بالمنهجية -التفكير التصميمي-. في كل مرة نتّبع فيها المنهجية فإننا نخرج بأفكار إبداعية. وعلى الرغم من أن لعملائنا الحق في رفض الحلول المقدمة إليهم، إلا أنهم في ٩٩٪ من الحالات يقبلونها على أنها حلول إبداعية توافق متطلباتهم وتحل مشكلاتهم.

ويجدر بالذكر أن الأمم المتحدة قد تبنت منهجية التفكير التصميمي للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة في ٢٠٣٠ لقوة المنهجية وقدرتها على الوصول إلى أفكار إبداعية للتحديات الكبيرة التي نواجهها.

وبعد هذا كله، نود أن نؤكد مرة أخرى على أن منهجية التفكير التصميمي كغيرها من المنهجيات قابلة للنقد والتطوير، فلنسعَ جميعاً لتطوير المنهجية وجعلها أفضل، ولنحرص على توظيفها وممارستها بالشكل الأفضل.

دمتم موفقين مبدعين،

كتبه: باسم جفال
راجعه: أسامة جان - د. عمار عطّار - رنا بخش - محمد الهاشمي

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك