شرح النظام الإيكولوجي لأشباه الموصلات
لقد شهد العام الماضي آلاف المنشورات عن صناعة أشباه الموصلات: نقص الرقائق، وقانون الرقائق الرقمية CHIPS Act، واعتماد الولايات المتحدة على TSMC في تايوان والصين وغير ذلك. وعلى الرغم من كل هذا الحديث عن الرقائق وأشباه الموصلات، فقليل من الأشخاص من يفهمون كيفية هيكلة الصناعة، وقد وجدت أن أفضل طريقة لفهم شيء معقد هو رسم مخطط له خطوة بخطوة، لذا فهذا عرض مصور سريع حول كيفية عمل صناعة أشباه الموصلات والنظام الإيكولوجي الخاص بها.
النظام الإيكولوجي لأشباه الموصلات
نرى التحول الرقمي لكل شيء في حياتنا، فأشباه الموصلات ــ الرقائق التي تعالج المعلومات الرقمية ــ تدخل تقريبا في كل شيء: أجهزة الكمبيوتر، والسيارات، والأجهزة المنزلية، والمعدات الطبية، وغير ذلك الكثير، ومن المقرر أن تبيع شركات أشباه الموصلات ما قيمته 600 مليار دولار من الرقائق هذا العام.
بالنظر إلى الرسم التوضيحي أدناه فإن الصناعة تبدو بسيطة جدا، حيث تقوم الشركات في النظام الإيكولوجي لأشباه الموصلات بصنع الرقائق (المثلث على اليسار) وبيعها للشركات والوكالات الحكومية (على اليمين)، ثم تقوم تلك الشركات والوكالات الحكومية بتصميم الرقائق في أنظمة وأجهزة (مثل أجهزة آي فون، وأجهزة الكمبيوتر، والطائرات، والحوسبة السحابية، وغيرها)، ثم تبيعها للمستهلكين والشركات والحكومات، وتبلغ إيرادات المنتجات التي تحتوي على رقائق عشرات التريليونات من الدولارات.
وعلى الرغم من ذلك، ونظرا لمدى ضخامة هذه الصناعة فإنها تظل لغزا بالنسبة للكثيرين، وإذا كنت تفكر في صناعة أشباه الموصلات بشكل عام، فهو مشروع تجاري يتلاعب بمواد ذرة في كل مرة، وتبلغ تكلفة بناء مصانعه 10 بلايين من الدولارات.
إذا استطعت النظر داخل المثلث البسيط الذي يمثل صناعة أشباه الموصلات، بدلاً من شركة واحدة تصنع الرقائق، فإنك ستجد صناعة تضم مئات الشركات التي تعتمد كلها على بعضها البعض، ويمكننا أن نبدأ بوصف جزء واحد من النظام الإيكولوجي في المرة الواحدة (تحذير: هذه نظرة مبسطة لصناعة بالغة التعقيد).
قطاعات صناعة أشباه الموصلات
صناعة أشباه الموصلات لديها سبعة أنواع مختلفة من الشركات، وكل قطاع من هذه القطاعات الصناعية المتميزة يغذي موارده إلى أعلى سلسلة القيمة إلى ما بعد ذلك حتى أصبح مصنع الرقائقيتمتع بكل التصاميم والمعدات والمواد اللازمة لتصنيع الرقاقة، قطاعات صناعة أشباه الموصلات من أسفل إلى أعلى هي:
- أساسات الملكية الفكرية للرقاقات
- أدوات التشغيل الآلي للتصميم الإلكتروني
- المواد المتخصصة
- معدات تصنيع الرقاقة
- شركات تصنيع الرقائق
- مصنعي الأجهزة المدمجة
- مسابك الرقائق
وتقدم الأقسام التالية أدناه مزيدا من التفاصيل عن كل جزء من أجزاء صناعة أشباه الموصلات السبعة.
أساسات الملكية الفكرية للرقاقات
- تصميم رقاقة قد تكون مملوكة لشركة واحدة ، أو...
- بعض الشركات تعطي تراخيص لتصاميم رقاقتها - باعتبارها أساسات بناء برمجيات تسمى IP Cores - لاستخدامها على نطاق واسع
- هناك أكثر من 150 شركة تبيع تراخيص تصميم الرقائق
- على سبيل المثال تعطي أبل ترخيص IP Cores من ARM كلبنة بناء للمعالجات الدقيقة في هواتفها المحمولة وحواسيبها.
أدوات التشغيل الآلي للتصميم الإلكتروني
- يقوم المهندسون بتصميم الرقائق (من خلال إضافة تصاميمهم الخاصة لأي IP cores اشتروه) باستخدام برمجيات آلية التصميم الإلكتروني المتخصصة
- يهيمن على هذه الصناعة ثلاثة من الموردين في الولايات المتحدة : Cadence، وMentor ، وSynopsys
- لتصميم رقاقة معقدة يحتاج الأمر إلى فريق هندسي كبير يستخدم هذه الأدوات لسنتين إلى ثلاث سنوات مثل تصميم المعالج الدقيق المستخدم داخل الهاتف أو الكمبيوتر أو الخادم. (انظر الشكل أدناه).
- واليوم، ومع استمرار تعقيد هذه الرقائق، بدأت جميع شركات التشغيل الآلي للتصميم الإلكتروني في إدخال أدوات مساعدة للذكاء الاصطناعي من أجل التشغيل الآلي للعملية والإسراع بها.
المواد والكيماويات المتخصصة
حتى الآن رقاقتنا لا تزال برمجية، ولتحويله إلى شيء ملموس علينا أن ننتجه إلى التصنيع الفيزيائي في مصنع رقاقات يسمى " fab"، ويتعين على المصانع التي تصنع الرقائق أن تشتري المواد والكيماويات المتخصصة:
- رقاقات السيليكون، والتي تحتاج صناعتها إلى أفران لزراعة الكريستال
- يتم استخدام أكثر من 100 غاز مثل (الأكسجين- النيتروجين- ثاني أكسيد الكربون- الهيدروجين- الهيليوم)
- السوائل مثل (photoresists و top coats و CMP slurries)
- Photomasks
- معدات مناولة الرقائق
- مولدات RF
معدات تصنيع الرقائق
- هذه الآلات تصنّع الرقائق فيزيائيًا
- تهيمن 5 شركات على هذه الصناعة (Applied Materials، وKLA، وLAM، وTokyo Electron، وASML)
- تعد هذه الآلات واحدة من أكثر الآلات تعقيداً (وتكلفة) على وجه الأرض
- سنقوم بشرح كيفية استخدام هذه الآلات في وقت لاحق
شركات تصنيع الرقائق
- تقوم شركات الأنظمة مثل (أبل، فيسبوك، أمازون، وغيرها) حاليًا بتصميم الرقائق الخاصة بها
- تصنع هذه الشركات تصاميم الرقائق (باستخدام IP Cores وتصاميمها الخاصة) وترسل التصاميم إلى "المسابك" التي تحتوي على "الرقائق" لتصنعها
- قد يستخدم بعض هذه الشركات الرقائق حصريًا في أجهزتهم الخاصة مثل أبل ، جوجل ، أمازون..
- أو قد يبيعون الرقائق للجميع مثل AMD، ونيفيديا، و Qualcomm، و Broadcom..
- لا تملك معدات تصنيع الرقائق ولا تستخدم المواد الخاصة بها
- هم يستخدمون IP الرقاقة وبرمجيات التصميم الإلكتروني لتصميم الرقائق
مصنعي الأجهزة المتكاملة (IDMs)
يقوم مصنعي الأجهزة المتكاملة (IDMs) بتصميم الرقائق في مصانعهم الخاصة وتصنيعها ومن ثم بيعها.
- هم لا يصنعون رقائق لشركات أخرى
- هناك 3 فئات من المصنعين: الذاكرة على سبيل المثال Micron, SK Hynix, ، والمعالجات مثل انتل ، والرقائق الإلكترونية التناظرية مثل تكساس انسترومنت وأنالوج ديفايسس.
لديهم مصانعهم الخاصة ومسابكهم لتصنيع الرقائق
- يستخدمون برمجيات الرقاقة IP وبرامج التصميم الإلكتروني لتصميم رقاقاتهم.
- يشترون معدات تصنيع الرقائق والكيماويات والمواد الخاصة بها.
متوسط تكلفة تسجيل رقاقة رائدة جديدة (3 نانومتر) هو الآن 500 مليون دولار.
مسابك الرقائق
- يقومون بتصنيع الرقائق للآخرين
- يشترون ويدمجون المعدات من مجموعة متنوعة من المصنعين
- يصممون عمليات فريدة باستخدام هذه المعدات لصنع الرقائق
- لكنهم لا يقومون بتصميم الرقائق
- شركة TSMC في تايوان هي الرائدة في هذا المجال تليها سامسونج
- يتكلف بناء مصنع لتصنيع رقاقة جديدة (3 نانومتر) 20 مليار دولار
مصانع الرقائق (Fabs)
- فابز Fabs هي اختصار لكلمة منشئات صناعية – المصانع التي تُنتج الرقائق.
- الشركات المصنعة للأجهزة المتكاملة (IDMs) والمسابك على حد سواء لديها مصانعها Fabs لإنتاج الرقائق، لكن الاختلاف الوحيد بينهم هو ما إذا كانوا يبيعون الرقائق لغيرهم أم يصنعونها لاستخدامهم فقط.
- فكر في مصانع الرقائق (Fabs) على أنه مشابه لمطابع طباعة الكتب (انظر الشكل أدناه):
- كما يكتب المؤلف كتاباً باستخدام معالج كلمات، يقوم المهندس بتصميم رقاقة باستخدام أدوات التشغيل الآلي للتصميم الإلكتروني.
- يتعاقد المؤلف مع ناشر متخصص في مجال كتابته ثم يرسل النص إلى مكان الطباعة، فإن المهندس يقوم باختيار نوع مناسب من الرقاقة (الذاكرة ، وحدة العمليات الحسابية والمنطقية ، RF ، التناظرية).
- المطبعة تشتري الورق والحبر، أما مصنع الرقائق يشتري المواد الخام؛ السيليكون والمواد الكيميائية والغازات.
- المطبعة يشتري آلات طباعة وصحف، ومصنع الرقائق يشتري معدات تصنيع ومختبرات وأدوات تغليف.
- تستخدم عملية الطباعة للكتاب تقنية الطباعة الأوفست (الليثوغرافيا) والتصوير والتجريد والمخططات وصنع اللوحات والربط والتشذيب. يتم تصنيع الرقائق في عملية معقدة باستخدام الصافرات والترسيب، فكّر في الأمر كمستوى ذري يعوض الطباعة، ثم يتم قطع الرقائق وتعبئة الرقائق.
- يقوم المصنع بطباعة ملايين النسخ من نفس الكتاب، وبالمثل في مصنع الرقائق يتم انتاج ملايين النسخ من الرقاقة نفسها.
وعلى الرغم من البساطة التي يبدو بها الأمر، إلا أنه ليس كذلك، الرقائق قد تكون هي المنتجات الأكثر تعقيدا في التصنيع، ويبين الرسم البياني أدناه الخطوات التي تتم لصنع رقاقة.
قضايا مصانع الرقائق
-- بعد أن أصبحت الرقائق أكثر كثافة (مع وجود تريليونات من الترانزستورات على رقاقة واحدة)، فقد ارتفعت تكلفة بناء مصانع الرقائق إلى عنان السماء، حيث بلغت الآن أكثر من 10 مليارات دولار لمصنع رقاقة واحدة.
-- أحد الأسباب هو أن تكلفة المعدات اللازمة لصنع الرقائق قد ارتفعت إلى عنان السماء
- آلة متطورة واحدة فقط من شركة ASML الهولندية تكلف 150 مليون دولار.
- هناك أكثر من 500 آلة في مصانع الرقائق (ليست جميعها بنفس سعر ASML).
- مصنع تصنيع الرقائق معقد بشكل لا يصدق، فالغرفة النظيفة التي تُصنع فيها الرقائق هي مجرد طرف من الجبل الجليدي لمجموعة معقدة من الغازات، والطاقة، والسوائل تضاف في معدات الرقاقة في الوقت المناسب ودرجة الحرارة الملائمة.
-- وصول تكلفة الإنشاء إلى مليارات الدولارات أدت لانسحاب الكثير من الشركات، في 2021 كان هناك 17 شركة تقوم بتصنيع الرقائق المتطورة، والآن هناك اثنتان فقط (سامسونج في كوريا وTSMC في تايوان)
- ونظراً لأن الصين تؤمن بأن تايوان مقاطعة صينية فإن هذا قد يشكل مشكلة بالنسبة للغرب.
الخطوات التالية - التكنولوجيا
- بدلا من جعل معالج واحد يقوم بالعمل بأكمله، قام مصممو الرقاقة المنطقية بوضع عدة معالجات متخصصة داخل الرقاقة
- رقائق الذاكرة الآن مصنوعة بكثافة عن طريق تكديس أكثر من 100 طبقة
- أصبح تصميم الرقائق عملية أكثر تعقيدا، مما يعني فرق عمل أكبر للتصميم، ووقت أطول للتسويق، ولذلك بدأت الشركات في تضمين الذكاء الاصطناعي لأتمتة أجزاء من عملية التصميم.
- صانعو معدات تصنيع الرقائق يصممون معدات جديدة لمساعدة المصانع والمسابك على صنع رقائق ذات طاقة أقل وأداء أفضل
الخطوات التالية - العمل التجاري
يتغير النموذج التجاري لمصنعي الأجهزة المدمجة مثل إنتل بسرعة، ففي الماضي كانت هناك ميزة تنافسية هائلة في أن يكون لديك أدوات التصميم الخاصة بك، أما اليوم فقد أصبح عيبًا.
- فالتركيز على الاستفادة من التصنيع والابتكار أفضل من الاستثمار في كل مراحل التصنيع
- أثبتت AMD إمكانية التحول من IDM إلى نموذج fabless foundry، كما تحاول إنتل أيضًا.
الخطوات التالية - الجغرافيا السياسية
التحكم في تصنيع الرقائق المتطورة في القرن الحادي والعشرين قد يثبت أنه يشبه التحكم في إمدادات النفط في القرن العشرين، ويمكن للبلد الذي يسيطر على هذا التصنيع أن يخنق القوة العسكرية والاقتصادية للآخرين.
- أصبح ضمان إمدادات ثابتة من الرقائق أولوية وطنية (أكبر واردات الصين من الدولار الأميركي تأتي من أشباه الموصلات، أكبر من النفط).
- تحاول اليوم كل من الولايات المتحدة والصين على نحو سريع فصل الأنظمة الإيكولوجية لصناعة أشباه الموصلات الخاصة بكل منهما عن بعضها البعض؛ تقوم الصين بسحب أكثر من 100 مليار دولار من الحوافز الحكومية في مجال بناء مصانع تصنيع الرقائق، وفي الوقت نفسه تحاول خلق إمدادات محلية من معدات الرقاقة وبرمجيات التشغيل الآلي للتصميم الإلكتروني.
- خلال العقود القليلة الماضية نقلت الولايات المتحدة معظم معاملها إلى آسيا، واليوم نحن نحفز على إعادة إنتاج مصانع الرقائق في الولايات المتحدة.
فالصناعة التي كانت فيما مضى تنحصر أهميتها في التكنولوجيا، أصبحت الآن واحدة من أكبر المجالات التنافسية للقوى العظمى.
- مصدر المقال والصور: المؤاف - هنا.
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات