أنت هنا

كيف يُكوّن المستهلك المصري رأيه؟

منذ 7 سنوات 4 أشهر

الثقافة المصرية وتأثيرها على الشركات الناشئة

هذه المقالة هي واحدة من سلسلة مقالات تدور حول تأثير ثقافة المجتمع على الشركات الناشئة طبقاً لمؤشرات هوفستيد. يمكنك قراءة المقال الأول من هنا.

محسن بيه: ايه أخبار مبيعات الموبايلات الجديده يا رأفت؟
رأفت: مش قد كده يا أفندم بيعنا 3 أجهزة بس خلال ستة شهور
محسن: يااه بس؟ دي الأجهزة حديثة جداً وفيها مميزات وخواص أحسن من كل اللي في السوق
رأفت: حقيقي يا أفندم بس الناس مش مقبلة عليها
محسن: يمكن علشان أسعارها عالية؟
رأفت: يا أفندم احنا عملنا عليها تخفيضات وصلت 25٪ وبقت أقل من كل اللي في السوق وأقل من معظم الماركات العالمية
محسن : طيب عايز أشوف رأي الناس اللي أشترت، رتب لي ميعاد معاهم خلال أسبوع
رأفت : مش محتاج يا أفندم هما الأثنين شغالين معانا هنا في الشركة
محسن: انت مش بتقول 3 أشتروا ؟ 
رأفت: ماهو الثالث يبقى أنا يا أفندم علشان بصراحة كلام محروس البياع أقنعني ولقيت ناس معانا أشترت فأشتريت واحد للمدام.

كيف يقرر المستهلك المصري شراء سلعة إستراتيجية مهمة؟ بداية من تليفونه المحمول حتى شراء شقة أو سيارة؟
المؤشر الثاني ضمن مؤشرات جيرت هوفستيد يسمى مؤشر الأستقلالية أو Individualism. هذا المؤشر يعبر عن مدى استقلالية الأفراد داخل المجتمع وقدرتهم على العناية بأنفسهم وأفراد عائلتهم في مقابل العناية الجماعية.
كلما زاد رقم الدولة على المؤشر كان ذلك معبراً على مجتمع استقلالي يعتمد معظم ساكنيه على أنفسهم في أمورهم الأساسية بينما الرقم المنخفض يعبر عن مجتمع جماعي التوجه (Collective)، يعتني فيه المجتمع بالأفراد في مقابل الولاء.

ما يميز المجتمعات التي بها مؤشر الاستقلالية عالي هو أن أفرادها يبحثون دائماً عن المعلومات بأنفسهم (يقرأون ويختارون برامج التلفاز ذات المحتوى الأصيل والغير تقليدي) ولا يتأثرون كثيراً بأراء من يحيطون بهم، بينما نجد في الدول ذات المؤشر المنخفض أن رأي المجتمع والأقارب وأصدقاء العمل يشكل جزءاً كبيراً من قرار أي فرد في المجتمع.
سنجد أيضاً أن المؤشر المنخفض يعبر عن حالة كبيرة من الولاء للأسرة أو المجتمع أو العمل ونجد أن العلاقة بين الموظف وشركته تشبه العلاقة العائلية حيث يعتبر الموظف نفسه جزء لا يتجزأ من الشركة وسنجد أن الحصول على ترقية أو التوظيف يتم بقرار يشبه القرارات العائلية من رب الأسرة أو رب العمل في هذه الحالة.

ستجد في المجتمعات الجماعية أن الشباب تتم تنشئتهم كلهم بنفس الطريقة كي يكونوا متشابهين وستجد أن النغمة السائدة هي (عائلتي بتشكر في فلان وبيقولوا عليه طيب)، ستستمع كثيراً لكلمات من نوعية (الناس بتقول على المنتج الفلاني كويس)، (الماركة دي حلوة علشان اصحابي في الشغل كلهم بيقولوا كده)، (جارتي اشترت العربية دي وأنا عايزة أجيبها علشان هي أروبة و بتفهم).
المجتمعات الجماعية تأخد قراراتها بناءاً على التوجه العام وليس بناءاً على قرارات مدروسة أو مميزات حقيقية في أي منتج.
من يحدد للمستهلك المصري ما يشتريه ؟

العائلة - الجيران - المدرسة – الشركة

مصر تسجل 25 على المؤشر وهذا يعني أنها تنتمي للمجتمعات الجماعية التوجه (Collective).
لكي تبيع في مصر لابد أن ينتمي منتجك لمؤسسة أو كيان ضخم وبالتالي كلما زاد انتماء المنتج لجهة ما كلما أقبل الناس أكثر على شراؤه.
يمكن لنظرة على بعض الدول وقيمة المؤشر بها أن تطلعنا على الكثير من التمايز والاختلاف فسنجد مثلاً أن الصين وكوريا الجنوبية هي دول تتميز بمؤشر منخفض يبلغ 18 و20 على الترتيب، وذلك يظهر في مدى اهتمام تلك الدول بالعلاقات الاجتماعية حتى أن مقياس جمال المرأة في هذه البلاد لا يهتم بشكل الجسد بل يقيس جمال المرأة طبقاً لنجاحها في العلاقات الاجتماعية لأن المجتمع يضع الجماعية فوق الفردية وسنجد العكس تماماً في المجتمعات الغربية كأمريكا والمانيا وبريطانيا. سنجد كذلك أن في المجتمعات الجماعية لا يوجد اي ترابط بين شعورك وسلوكك. لهذا قد تشتري شيء لا تحبه كثيراً فقط لأن المجتمع يراه مناسباً لك!
على سبيل المثال، دائماً ما يمتلك رجال الأعمال سيارة مرسيدس لأنها تضفي عليهم رونقاً خاصاً. ولقد قال لي ذات مرة أحد رجال الأعمال المرموقين في مصر أنه لابد أن يشتري كل عام مرسيدس آخر موديل حتى لو لم يكن معه المال الكافي والسبب كما قاله لي (لو ما عملتش كده التجار حيفتكروا أن موقعي ضعيف وحأنضرب في السوق!!)

بينما في المجتمعات الفردية، سنجد أن التصرفات متوافقة في الغالب مع الشعور والناس لا تحاول اخفاء شعورها وبالتالي فهم يقبلون على أي منتج اقبالاً حقيقيا مرتبطاً بما يمثله لهم من قيمة. سنجد كذلك أن في المجتمعات الجماعية، قد يبتسم الناس في وجهك ويكيلون لمنتجك المديح ولكن في وقت الشراء لن تجد أن ابتساماتهم قد تحولت لأوامر شراء بل ربما تجد العكس تماماً. ويعلم كل من تعامل مع اليابانيين والكوريين جيداً أنهم قد لا يغضبون أمامك بل وقد يبتسمون مجاملة، ولكن لو لم يعجبهم شيء فحتماً سيشتكون وستكون شكوى قاسية (عن تجربة شخصية أثناء عملي كمدير مركز اتصالات يتعامل مع اليابان في احدى مراحل حياتي).

ستجد أيضاً أن المجتمعات الجماعية عندما يكرهون منتج أو براند فذلك يسري كالنار في الهشيم وتصبح استعادة الصورة الإيجابية شبه مستحيلة لأن المستهلكون يتأثرون بسرعة وبقوة من أراء أقرانهم (كمثال نظرة الناس للسيارة ال ام جراند في مصر وما تعرضت له من انتقادات حادة افقدتها السوق كنتيجة للدعاية السلبية).
سنجد أيضاً أن إقبال الناس على المنتجات الإبداعية والمبتكرة يزيد اضطراداً مع زيادة الفردية لأن الناس تعشق الانفراد بمنتج جديد. ونجد ذلك واضحاً في الطوابير الطويلة المصطفة لشراء جهاز الأيفون الجديد في كل مرة امام متاجر أبل في الولايات المتحدة وبريطانيا بينما لا نجد ما يشابه ذلك في بلادنا لأننا ننتظر دائماً أراء أقراننا ومعارفنا.

هل عندك شك في ذلك ؟

راجع التايم لاين عندك في الفيسبوك وقم بعد البوستات التي بها صديق لك يسأل الجميع عن المفاضلة بين نوعين أو أكثر من أجهزة المحمول أو السيارات أو حتى أماكن قضاء العطلة. وقم بعد بوستاتك الشخصية حول نفس الموضوع، وعندها ستذهل!!

وفي النهاية لا توجد ثقافة صحيحة وأخرى خاطئة ولكننا ننظر على كل ثقافة كمكوّن رئيسي من مدخلات النشاط الإقتصادي في كل بلاد العالم، ونرى أن كل رواد الأعمال لابد أن يدرسوا جيداً ثقافة كل بلد حتى تكون قرارتهم علمية وسليمة بقدر المستطاع.

وانتظرونا في المقال القادم حيث سنتحدث عن المؤشر الثالث لهوفستيد وهو التنافسية. 

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك