كيف يتم بناء الأفكار العظيمة؟
This article was first published on: Innovation Excellence
غالبًا ما تسأل الشركات لماذا تنتج جهودهم للابتكار أفكارًا تغير شكل اللعبة بحق. لماذا يحصلون في الغالب على اقتراحات فاترة للتحسينات المتزايدة بدلًا من مفاهيم جذرية جديدة تحدث ثورة في صناعاتهم؟ وكيف يمكن لمؤسسة أن تتحسن بشكل كبير في توليد أفكار عظيمة؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لابد أن نفهم أولًا كيف يتم بناء الأفكار الكبيرة. كبداية، معظم الناس لا يربطون بين مفهوم عملية البناء وتوليد الأفكار. وبالفعل فإن العديد من التنفيذيين الكبار لا زال يعتقد أن الأفكار تأتي من اللا مكان في لمحة مفاجئة من الإلهام. لذا فإن الخطوة الأساسية هي توضيح كيف تعمل العملية الابتكارية. وما نفتقده في معظم الشركات الكبيرة هو نظرية الابتكار التي تترجم غلى منهجية عملية لإنتاج الأفكار الكبرى.
لأكثر من مائة عام، درس الأكاديميون من مجالات كعلم النفس، الأنثروبولوجي، وعلم الأعصاب والممارسون المبدعون من عالم الإعلانات وشيوخ الإدارة المهمون، قد درسوا كيف يقوم العقل البشري بخلق الأفكار الثورية. هناك بالفعل حجم ضخم من العمل في الإبداع متاح للناس في عالم الأعمال. لكن الحقيقة هي أن عدد قليل من قادة الشركات والمديرون لا ينتبهون كثيرًا لهذا الأمر، ويفضلون بدلًا من ذلك أن يركزوا على تحسين كفاءة العمليات داخل مؤسساتهم بينما يتمنون أنه -بمعجزة ما- سيحصل أحد موظفيهم على لحظة "وجدتها" بينما يمشي مع كلبه!.
إن ما نعرفه الآن بشكل واضح هو أن الأفكار الإبداعية لا تراودنا تلقائيًا من لحظة لأخرى، على الرغم من أن هذا ما يبدو لنا. إن عقولنا تبني هذه الأفكار من سلسلة من العلاقات والصلات، أحيانًا يستغرق تكوينها فترة كبيرة من الزمن. عندما نتفحص العملية الإبداعية بتفصيل أكثر، سنكتشف أن التفكير الإبداعي عادة ما يبنى على لمحات مضيئة -أو سلسلة من اللمحات- من موقف أو مشكلة تلهم العقل لإحداث قفزة أو عدة قفزات غير متوقعة. وينتج عن هذا تشكيل جديد تمامًا من الأفكار الموجودة مسبقًا. هذه التوليفة الطازجة من الأفكار التي تتفاعل فيها عدة مفاهيم -غير متصلة ببعضها- لتكون فكرة كبيرة أو حلًا إبداعيًا. وهذه هي اللحظة المشهور بلحظة "وجدتها" عندما يبدو كأنما أضاء مصباح ما في رؤوسنا.
كيف أعاد أينشتاين اختراع الفيزياء؟
عندما أتى ألبرت أينشتاين بنظريته الثورية عن النسبية الخاصة، وبعدها بوقت قصير أتبعها بمعادلة E=mc2، لم تأته هذه الفكرة من العدم بينما يجلص على مكتبه ينظر من النافذة. فحسب كلامه هو، كان قد قضى سبع سنوات يفكر فيها، منذ أن بدأ كورس الدبلومة الخاص به في المعهد التفني الفيدرالي السويسري في زيورخ، حيث درس الرياضيات والفيزياء. في بداية القرن العشرين عندما تخرج أينشتاين، كانت معضلة الفيزياء الأساسية هي عدم التوافق الواضح بين قوانين نيوتن للميكانيكا من ناحية وعلم الكهرومغناطيسية الحديث من ناحية أخرى. لأنه كما بدا من التجارب، لم يتصرف الضوء طبقًا لقوانين الميكانيكا الكلاسيكية لنيوتن. وكان هذا لغزًا محيرًا عزم أينشتاين المتخرج حديثًا على حله.
خلال السنوات السبع التالية، درس أينشتاين الأعمال الخاصة بأسلافه وزملائه، من إسحق نيوتن وحتى جيمس كلارك ماكسويل، ديفيد هيوم، إيرنست ماخ، هيدريك لورينتز، وماكس بلانك، إما يبني على أفكارهم أو يدحضها. وتمكن من استكشفات مفاهيم جذرية جديدة خلال تجاربه الفكرية المشهورة، مثل الارتحال عبر الكون على شعاع من الضوء، أو الجلوس في مصعد يسقط سقوطًا حرًا. فعل هذا بأن تحدى الافتراضات التقليدية عن الوقت والمكان، وسأل بعض الأسئلة الجذرية الجديدة عن الفيزياء التي لم يجرؤ البعض على طرحها من قبل: ماذا إذا كانت قوانين نيوتن للميكانيكا غير ثابتة كما اعتقد الجميع عبر القرون؟ ماذا إذا كان الزمان والمكان قيمتين غير مطلقتين؟ ماذا إذا كانتا قيمتين متغيرتين، وأن الثابت الكوني الوحيد في الحقيقة هو سرعة الضوء؟ -في كتابي الجديد "العدسات الأربعة للابتكار"، نسمي هذا المنظور الابتكاري: تحدي المفاهيم التقليدية-.
بمجرد أن فتحت هذه اللمحة الأساسية عيني أينشتاين على رؤية حل المشكلة، استطاع أن يبدأ في العمل مباشرة على التفاصيل الحسابية، وفي خلال خمس أسابيع فقط كان قد أنتج ما يقال أنه أعظم ورقة علمية في القرن العشرين: "عن الإلكتروديناميكيات للأجسام المتحركة". إن ما توضحه هذه الفكرة هو أن الأفكار الكبيرة تحتاج أكثر من مجرد لحظة. هناك عملية تفكير محددة يتطلبها بناء فكر خارق، والنقلة الأساسية لأي فكرة جذرية جديدة لابد أن يكون لمحة قوية.
الأمر كله يتعلق باللمحات
هل يعني هذا أن العثور على فكرة خارقة سيتطلب دومًا عدة سنوات من العمل الشاق؟ على الإطلاق. أحيانًأ يمكن أن نحصل على فكرة عظيمة في غضون عدة دقائق. لكن العامل الثابت في بناء فكرة كبرى هو أن يكون لديك لمحة أو سلسلة من اللمحات التي تغير منظورك بشكل جذري.
من أين أتى ستيف جوبز في 2005 بفكرة أن آبل ينبغي أن تطور وتطلق هاتفًا محمولًا خاصًا بها؟ جاء هذا من لمحة حصل عليها من الصيحات التكنولوجية التي كان بإمكانها أن تجعل الآي بود موضة قديمة. تبين لستيف جوبز أنه إذا استطاعت شركات الهاتف المحمول أن تحول أجهزتها إلى مشغلات موسيقية سهلة الاستخدام -وهو ما لم يكن صعبًا-، فإن أحدًا لن يحتاج لشراء آي بود بعد ذلك. وكما رأى الهاتف المحمول يحل محل الكاميرات الرقمية، والمنبهات والمساعدات الإلكترونية الشخصية وغيرها من الأجهزة المخصصة، بدا له كذلك أنه إن هي إلا مسألة وقت حتى يصل الآي بود إلى نفس المصير. لماذا قد يود أحدهم أن يحمل جهازين عندما يمكنه أن يجمع بين الوظيفتين في جهاز واحد؟ -هذا مثال للعدسة الثانية للابتكار "استغلال الصيحات"-.
إن فكرة المكنسة الكهربائية دون كيس داخلي لم تأت لجيمس دايسون من الفراغ بينما يأخذ حمامًا. كان يفكر بالفعل في كيفية تحسين هذه المجموعة من المنتجات، عندما زار بالصدفة معمل نشارة محليًا، ولاحظ الفواصل المركزية الكبيرة -أو الأعاصير الصناعية- التي تزيل الغبار من الجو. ما لمحه دايسون هو أن هذه الطريقة فعالة أكثر في تجميع التراب والغبار من حقيبة تمتص الغبار، لأن الجهاز يفقد قدرته على الامتصاص حالما امتلأت المكنسة. كانت فكرته الكبيرة هي صنع نموذج مصغر من الإعصار الصناعي وتركيبه في جهاز مكنسة منزلي. -هذا مثال على واحدة أخرى من عدسات الابتكار الأربعة "استغلال الموارد بطرق جديدة".
جاري ودايان هيفين، مؤسسو جلوبال كيرفز، لم يستيقظا يومًا ما ويقولا: "هاي.. لماذا لا نفتح ناديًا للياقة البدنية للسيدات فقط؟" جاءتهم الفكرة بعد تعرفهم على مشكلة واضحة تواجه نوادي اللياقة البدنية التقليدية. فقد لاحظا أن العديد من النساء يشعرن بالتهديد والإحراج في هذه الأماكن التي يسيطر عليها الرجال، وهذه اللمحات -المبنية على تعاطف مع هؤلاء النساء- قادتهما إلى أن يتساءلا إذا كان هناك طريقة أخرى لتلبية متطلبات النساء بشكل أفضل. -هذه هي العدسة الرابعة للابتكار "فهم الاحتياجات".
ما نستنتجه من هذا هو أن اللمحات هي ما يحفز التفكير الابتكاري، وهي الخطوة الانتقالية التي تؤدي إلى حلول جذرية جديدة. بالضبط كما يسمح لنا حجر كبير مستوٍ بالعبور بسهولة من ناحية لاخرى عبر نهر جارٍ، فإن اللمحات تسمح لنا بالقيام بقفزات ضرورية من الربط بين الأشياء لنبني الأفكار الكبيرة.
تحسين قدرتك على الابتكار الجذري
الآن بعد أن فهمنا اللمحات كمادة هام يمكن بناء الأفكار الكبرى منها، يمكننا أن نبدأ في مناقشة المنهجية العملية لتحسين قدرتنا على الابتكار.
ما تحتاج أن تفهمه الشركات هو أنه لا يمكنك أن تنتج أفكارًا خارقة كبيرة إلا إذا قمت أولًا بتوليد النوع الصحيح من اللمحات. الأمر مثل أن يجلس مزارع في انتظار أن يحصد حصادًا مثمرًا دون أن يغرس البذور الصحيحة أولًا. نحتاج لأن نفهم أن المخرجات تعتمد على المدخلات. وأن استثمار الوقت والمال والمجهود في الابتكار دون بناء ملف غني من اللمحات هو تمرين غير مجدٍ.
يُطلب من الناس أن يقوموا بقفزات عملاقة في التفكير الإبداعي لكن بدون الأحجار الانتقالية التي يحتاجونها لينتقلوا من هنا إلى هناك. وتتوقع منهم شركاتهم أن يخرجوا من صندوق الأفكار المعتاد دون تطوير المنظور الطازج والملهم الذي يمكن أن يساعدهم على النظر خارج الصندوق في المقام الأول.
ما تفتقده المؤسسات الكبرى هو منهجية واضحة، وعملية مظمة لتوليد وحصاد ومشاركة واستخدام اللمحات القوية في بداية جهودهم الابتكارية. وقد يستثمرون من الوقت والأموال في الحصول على لمحات من نوع ما، لكنها ليست اللمحات الصحيحة التي يحتاجها تغيير شكل اللعبة.
هل هذه اللمحات تتحدى ما هو تقليدي وتمط من تفكير الأشخاص غلى أبعاد جديدة؟ أم أنها تقول ما هو بديهي وواضح؟ هل تزيل الغطاء عن تطبيقات أعمق وفرص غير مستغلة كامنة في الفجوات التي تبرز من حين لآخر؟ هل تسلط الضوء على الاتجاهات التي يتجاهلها المنافسون عادة؟ هل تشير إلى طرق جديدة تمامًا من استغلال موارد وأصول ومهارات الشركة والتي تتواجد خارج المؤسسة؟ هل توفر منظورًا جديدًا لرؤية احتياجات المستهلكين، أو تحفز حلولًا خارقة يمكنها أن تغير تجربة المستخدم تمامًأ؟
هذه هي نوعية اللمحات التي لابد للشركات أن تقوم بتجميعها وتراكمها مع الوقت، وم ثم تستخدمها لتحفز عملية الابتكار لديها. إن الطريقة الوحيدة لتوليد أفكار جذرية بالشكل الكافي لقيادة نمو هائل وفتح أسواق غير مستغلة وتغيير شكل نماذج أعمال الصناعة الحالية لن يتم إلا بتوليد مادة خام عالية الجودة من اللمحات القوية، التي يمكنها أن تخدم كمحفز لهذه الأفكار. والخبر الجيد هو أن شركتك يمكنك أن تكتشف بشكل ممنهج وعازم هذه اللمحات باستخدام العدسات الأربعة للابتكار التي أصفها في كتابي الجديد.
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات