القاهرة وتراث ريادة الأعمال الجزء الثاني
هذا المقال جزء من سلسلة اقتصاديات الحضر وهو نشرعلى موقع progrss تحت رعاية district coworking space
على الرغم من أن الارتباط الوثيق بين التكنولوجيا وريادة الأعمال يعد جزءاً من الاتجاه العالمي الأوسع، إلا أنه ليس من المستغرب أن التكنولوجيا مازالت تحصل على الجزء الأكبر من الكعكة فهي الأكثر جاذبية لكثير من رواد الأعمال والمستثمرين في مصر. وقد ألهمت قصص النجاح حول العالم مثل فيسبوك، إي باي، أمازون، وفي الآونة الأخيرة، أوبر وإير بي إن بي، الكثير من الشباب المهتمين بالتكنولوجيا لبدء مشاريعهم الخاصة. بينما خلقت التغطية الإعلامية لهذه الشركات العاملة في التكنولوجيا الرقمية ومؤسسيها قصص ملهمة للشباب في مصر يسعى على الإقتداء بأصحابها (و في أحد لقاءاتنا مع خبراء وأساتذة في مجال ريادة الأعمال، أخبرنا أحدهم أن أحد المتسابقين في مسابقة لخطة الأعمال أشار إلى مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج باسمه الأول "مارك" عندما تحدث عن منصة التواصل الاجتماعي التي يريد أن ينشئها).
وقد استثمر كل من القطاع العام والخاص الكثير في مجال التكنولوجيا في العقد الماضي، فما بين ٢٠٠٥ و٢٠١٣ ازداد عدد شركات تكنولوجيا المعلومات في مصر من ١٧١٦ إلى ٥٥٥٩ وتضاعفت أرباح القطاع ذاته من ٢٥ مليار دولار إلى ٧٥ مليار دولار وجاءت أغلب الإيرادات من تطوير البرمجيات لجهات خارجية. وكما جاء في "ICT ٢٠٢٠" وهي إستراتيجية الحكومة لقطاع تكنولوجيا المعلومات على المدى المتوسط، بحلول عام ٢٠٢٠، تنظر الحكومة في ضخ مبلغ ١٢٤٫٨ مليار جنيه أو ما يعادل مبلغ ١٧ مليار دولار في الست سنوات القادمة بهدف مضاعفة نسبة مساهمة تكنولوجيا المعلومات في الناتج القومي (والتي كانت تمثل ٤٫١٪ من إجمالي الناتج القومي في ٢٠١٥). وفي الوقت نفسه، يشير معدل انتشار الإنترنت –الذي تضاعف من تقريباً ١٦ مليون مستخدم في عام ٢٠٠٩ إلى حوالي ٣١ مليون مستخدم في عام ٢٠١٦ – إلى سرعة انتشار التكنولوجيا واستخدامها.
وأشار الخبراء أن التكنولوجيا – بجانب النطاق والمستوى والأثر الاقتصادي الغير مسبوق لها في إعادة صياغة وتشكيل تاريخ البشرية – هي واحدة من أربع قوى عالمية فقط تحدد كيف سيبدو المستقبل، وهذا يفسر تهافت الكثير على هذه الصناعة. وتقوم التكنولوجيا اليوم بالدور الذي قامت به التجارة العالمية لتجار القرن السادس عشر مثل إسماعيل أبو طاقية. وذكر طارق أسعد، شريك و مدير منتدب في شركة Ideavelopers – شركة لرأس المال المخاطر (venture capital) والتي تستثمر في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا – أن التكنولوجيا جذابة بسبب قابليتها للنمو السريع والتوسع فضلاً عن قدرتها على المساهمة في حل المشاكل التنموية. ويوضح، أنه مازال هناك الكثير مما يمكن القيام به لصنع التغيير، ولكن الفرص الأكبر هي لأصحاب المشاريع التكنولوجية. "مصر أمامها الآن طريق تسلكه ولكن علينا أولاً توجيه بوصلتنا نحو الأمور الأكثر أهمية وذات الأولوية".
وفقاً لرائد الأعمال هاشم الدندراوي، السبب الرئيسي أن العديد من الشباب يتوجه لريادة الأعمال التقنية هو انخفاض تكلفة ومتطلبات دخول السوق (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أعلن نسبة بطالة الشباب ٣٤٪). بدأ الدندراوي حياته المهنية كتاجر أرز في شرق أفريقيا قبل العودة إلى مصر للعمل في مجال التنمية الزراعية، وفيما بعد أنشأ K-9 Sense وهي شركة توفر المنتجات والخدمات لتدريب ورعاية الكلاب.
ومن مزرعته ذات العشرة أفدنة في الضواحي وبها مركز تربية الكلاب، أضاف الدندراوي معلقاً على أهم التحديات التي تواجه ريادة الأعمال التكنولوجية وهي أن التركيز على المشاريع التقنية جاء نتيجة نجاح مثل هذه المشاريع في أوروبا والولايات المتحدة، والتي، بالرغم من قيمتها وتأثيرها، إلا أنها أحياناً لا تعالج المشاكل المحلية. كما تحدث الدندراوي مؤسس مركز دندرة الثقافي والذي لديه ٦٤ فرع في صعيد مصر عن أهمية وجود وخلق مفردات تتناسب مع الاحتياجات المحلية.
"إذا كنا نريد أن ندعم رواد الأعمال فعلينا تعريف معنى الكلمة مستخدمين اللغة الدارجة التي تصل إلى العامة ويفهمونها، أما كلمة "ريادة الأعمال" فتبدو للمواطن البسيط إحدى مفردات الصينية." واستطرد: "عندما نبسط المصطلح ليصل إلى عموم المصريين حينها فقط يستطيع الفرد اتباعها."
ويتفق معه محمد الصاوي مؤسس The Courtyard والرئيس التنفيذي لشركة مصر للمقاولات Encon، مشيراً إلى أن "أغلب الأشخاص اليوم يطلقون على أنفسهم "رواد أعمال" ولكن ما زلنا نتحدث عن فئة اجتماعية محددة هي التي تفهم تلك المصطلحات، أما عن عموم الناس، فلا أحد يعلم ما نتحدث عنه."
وقد علق آخرون أن رواد الأعمال في مصر كثيرون –على الرغم من أن معظمهم يبحر في السوق الموازي أو غير الرسمي للفرص، نادراً ما يطلقون على أنفسهم رواد أعمال. ووفقاً لمحمد عويس المستشار الإداري والذي أصبح لرائد أعمال ومؤسس موقع يا قوطة، فإن ريادة الأعمال يصعب قياسها في القطاع غير الرسمي، مما يجعل أي محاولة لتحديد وفهم قدرة الشركات الناشئة على أرض الواقع مستحيلة من الناحية العملية.
"أنا مقتنع أن أي شيء مبتكر يحدث هو شيء لم نسمع عنه من قبل. لديك شخص يجوب الشوارع بالبضائع بينما نحن نجلس هنا في فقاعة ريادة الأعمال محاولين فهم ما يحدث في العالم الخارجي. إن فكرة أن البرمجيات تأكل العالم لا تنطبق على مصر،" يضيف وهو يجلس في مكتبة في ال GrEEK Campus. وجاءت عبارة عويس لتساند دراسة لسنة ٢٠١٤ والتي تشير إلى أن الاقتصاد غير الرسمي في مصر يمثل قيمة تصل إلى ٧٠٪ من الاقتصاد الرسمي بقيمة تصل إلى ١٫٥ تريليون جنيه (٢٠٤٫٥ مليار دولار أمريكي)."
وأضاف عويس: "عدد قليل جداً من الشركات تحل المشاكل الهيكلية في مصر. ويضيف أنه حتى تطبيق "بيقولك"، الذي تحدث الكثير عن قصة نجاحه لسنوات أصبح بلا قيمة مع نزول جوجل لسوق تطبيقات المرور. و يبحث الان "بيقولك" عن استراتيجيات جديدة ليظل مرتبطًا بالسوق الذي دخله.
وفي الواقع، وفقًا لباسم لطفي، رائد الأعمال والرئيس التنفيذي من الجيل الثالث لشركة لطفي للأحذية، حجم السوق الموازية (وعدم القدرة على التحكم فيه) هو السبب في أن العديد من الشركات الرسمية في تخبط؛ ومع وجود العديد من الشركات وأصحاب الأعمال الذين يفضلون اختيار البقاء "غير مرئيين" للتهرب من الضرائب، والتخلص من البيروقراطية الحكومية، فلا عجب أن الكثير من رواد الأعمال العاملين في التقنية يظلون مجهولون إلى حد كبير.
ويكمل حديثه: "التقيت برجل أعمال ويملك عدد من المصانع المختلفة التي تصنع كل شيء من البلاستيك للأحذية. وهو رجل أعمال ناجح جداً، ولكنه غير مرئي. مصانعه مسجلة ولكن مبيعاتها غير موجودة في دفاتر الحسابات."
ويوضح لطفي، عندما أسس جده شركة "لطفي" في الخمسينات، كان تركيز نموذج العمل على صناعة الأحذية وليس على الماركات أو منافسة الماركات العالمية. "كان جدي يصنع أحذية للناس للاستخدامات العادية والعسكرية، حتى جاء والدي و بدأ صناعة وتطوير الكوتشي." منذ ذلك الحين، أصبحت كوتشي لغة ماركة شعبية للكلمة التي يستخدمها الأشخاص للرجوع إلى أحذية الرياضة بشكل عام.
والأهم من ذلك، أن قصة الصبي ذو الـ ١٠ أعوام الذي ترك بلدته وركب أول قطار إلى العاصمة ليبني إمبراطورية الأحذية ما زالت موجودة حتى يومنا هذا لتثبت أن ريادة الأعمال لها جذور أعمق وأقدم من الكلمات التي نصفها بها في يومنا هذا.
ترقبوا المقالة الثانية في سلسلة اقتصاديات الحضر.
هذاه المقالة برعاية
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات