التكنولوجيا وتمكين المرأة: ما الذي يمكن أن تفعله التكنولوجيا للنساء العربيات
من المُلفت للنظر أن نسبة النساء اللاتي يعملن في العالم العربي أقل من نسبة النساء اللاتي يعملن بأي مكان آخر في العالم، وهذه الحالة غير منطقية بالمرة، لأن عدد النساء اللاتي يسعين للحصول على شهادات جامعية يفوق عدد الرجال في المنطقة العربية بنسبة 108 ل100، إذاً المشكلة لا تكمن في التعليم.
ولا تكمن في الإنجازات أيضاً، حيث تُظهر نتائج الاختبارات الموحدة أن النساء والبنات العربيات يتفوقن على زملائهم من الذكور في المستويات المختلفة في التعليم، ومع ذلك، الاختلافات بين الجنسين في النشاط الاقتصادي أكبر من أي مكان آخر. ويعطي النظر إلى الشركات التكنولوجية في الشرق الأوسط رسم منظوري إلى هذه المعضلة.
أسست النساء 35 بالمائة من شركات الانترنت في العالم العربي، في مقارنة مع المتوسط العالمي وهو عشرة بالمائة فقط. كما أن نسبة الشركات التي من ضمن مؤسسيها امرأة تصل في القاهرة إلى 30 بالمائة ، وهي نسبة منخفضة، وتصل إلى 46 بالمائة في جدة، وهي نسبة مرتفعة، وذلك وفقاً لمسرعة الأعمال فلات 6 لابز[Flat6Lab]، وهي ناشطة بست مدن عربية كبرى. فهل يعد هذا تنبؤً بشمول اقتصادي للنساء العربيات؟
يمكن لمجال التكنولوجيا أن يلعب دورًا مهمًا في النشاط الاقتصادي للنساء العربيات، فمع نمو هذا القطاع، تنمو إمكانية النساء في الحصول على القوة الاقتصادية. وتعتمد الزيادة في توظيف النساء العربيات بمجال التكنولوجيا على قدرته على جذب المواهب النسائية.
يمكن أن تمثل العدالة في الفرص الوظيفية بمجال التكنولوجيا قيمة كبيرة للنساء، خاصةً أنهن أثبتن مهاراتهن في الرياضيات والعلوم، كما أن قدرة الشركات التكنولوجية على توفير أسواق أكبر حجمًا تمكن النساء من تسويق منتجاتهن دون مواجهة أي تمييز، ستزيد القوة الاقتصادية لهن.
وتستطيع شركات التكنولوجيا أن توفر فرص عمل أكثر عدلاً، سواء كانت في المجالات التقليدية لقطاعات المعلومات والتواصل والتكنولوجيا، أو التكنولوجيا النظيفة أو الكيانات التي تعمل بالتقنية الحديثة، فالشيء المشترك بينها جميعًا هو حاجتها لعمالة شديدة المهارة ولديها معرفة تقنية، ويمكن إختبار هذه المهارة والمعرفة بغض النظر عن النوع الجنسي، مما يعطي فرصًا متساوية للجميع وبذلك تستطيع النساء العمل في هذا المجال.
ومع ذلك، يجب على النساء ترجمة مهاراتهن في الرياضيات والعلوم إلى مهارات أخرى مطلوبة في السوق لكي تستفيد الشركات التكنولوجية من نشاطهم الاقتصادي، وهذه الفرصة متواجدة في العالم العربي.
تدل النتائج التي تحققها النساء في جامعة الأردن -والتي تعد الأكبر في المملكة الهاشمية- على ما سبق، إذ يحصدن علامات دراسية أعلى من الرجال في الرياضيات والهندسة والمعلومات الحاسوبية، كما تراوحت نسبتهن بين 34 و57 بالمائة من الخريجين في مجالات العلوم والهندسة والزراعة في عشرة بلدان عربية.
وعبر برنامج تقييم الطلاب الدولي لعام 2015 [The 2015 Programme for International Student Assessment] ، والذي يختبر تطبيق معرفة ومهارات العلوم والرياضيات في سن 15 عامًا، ثبت أن البنات يتفوقن على الأولاد في الأردن والإمارات وقطر والجزائر، فيما تفوق الأولاد في لبنان وتونس.
ويمكن رؤية اختلافات واسعة في الصفوف الأصغر، إذ كشفت الدراسة الدولية لاتجاهات الرياضيات والعلوم لعام 2015 [Trends in International Mathematics and Science Study] ، أن البنات في الصف الرابع يتفوقن على الأولاد في العلوم والرياضيات بالسعودية والبحرين وعمان والكويت وقطر والإمارات والأردن والمغرب، مما يعنى في النهاية تفوق البنات العرب على الأولاد في كل هذه الاختبارات، وأحيانًا بأعلى الهوامش العالمية، لكن عند تفوق الأولاد على البنات، كانت الهوامش بسيطة نسبيًّا.
لماذا إذًا تواجه النساء صعوبة في تطوير التعليم إلى المهارات التكنولوجية المطلوبة؟
لم يفهم الكثير النساء إلى الآن أن الوظائف بهذا القطاع تتوافق مع حياتهن اليومية، فهن يواجهن بعض القيود الثقافية والعملية الراسخة في العالم العربي، كما أن المصادر التي تحتاجها النساء لتحويل تعليمهن إلى مهارات تكنولوجية مطلوبة في السوق أصبحت متاحة مؤخراً فقط.
وتدرك بعض النساء العربيات أهمية تناقل المهارات للعثور على وظائف في مجال التكنولوجيا، ومثالاً على ذلك، تمكّنَ جميع الخريجين من دورة تدريبية أخيرة قدمتها شركة الماكينة من العثور على وظائف، وهي شركة أسستها امرأتان في العشرينيات من عمرهما، تقدم دورات الترميز العملية [Coding] والبرمجة. كما تستفيد النساء العربيات من المواقع الإلكترونية التي تقدم دورات تعلم المهارات التكنولوجية مثل ليندا دوت كوم.
وتواجه النساء مشكلة انخفاض الثقة بالنفس، وهذه المشكلة ليست خاصة أو فريدة من نوعها في مجال التكنولوجيا بالعالم العربي فقط، فلأول مرة في عام 2013، قامت الدراسة الدولية للكمبيوتر ومعرفة المعلومات [ International Computer and Information Literacy Study] باختبار أولاد وبنات بالصف الثامن في أربعة عشر بلدًا في معرفة الكمبيوتر والمعلومات، تفوقت خلالها البنات دائمًا على الأولاد، وغالبًا بفروق ملحوظة، ولكن مع ذلك في كل بلد تفوق الأولاد في إدراك مهاراتهم. يمكن أن يؤثر الاستيعاب السلبي بقوة على التطلعات المهنية.
ويمكن تصور فرص نجاح المرأة من خلال تسليط الضوء على رائدات الأعمال في قطاع التكنولوجيا، و بذلك ترى النساء مدى ترحيب هذا القطاع والمجتمع ككل بمواهبهن. يجب على قطاع التكنولوجيا توفير وظائف مناسبة للقيود الثقافية التي تواجهها النساء ليتمكن من جذب هذا الكم الكبير من المواهب النسائية في المنطقة، لكن صناعة التكنولوجيا اكتسبت مصداقية في خلق واستمرار فرص عمل مربحة للنساء العربيات، لكون الوظائف في أغلب الوقت يمكن القيام بها عن بُعد مع أوقات عمل مرنة.
وتقوم شركات التكنولوجيا بتسهيل تعاملات الأسواق والوصول إلى أعداد كبيرة من الزبائن والموردين بتكلفة منخفضة وبشكل مجهول دون معرفة هويات الأشخاص، ويمكن للنساء الاستفادة من الأسواق التي يكون النوع الجنسي بها غير مهم بالنسبة للتعاملات التجارية. على سبيل المثال، يخلق موقع سوق دوت كوم، وهو أكبر منصة إلكترونية للتجارة بالمنطقة، مساحة للمنافسة لا تتأثر بنوع الجنس، كما قامت شركات التكنولوجيا، بتغيير جوهري في بيع وقت العامل.
تعد تطبيقات المواصلات ،مثل أوبر وكريم، أمثلة رائدة لقوة التكنولوجيا في خلق قيمة من عمالة غير مستغلة، وبالرغم من قلة عدد السائقات النساء في الدول العربية، إلا أن هذه الشركات سببت اضطرابًا كبيرًا في السوق لأنها سمحت للسيدات بأن ينافسن بناءً على أسس متساوية مع الرجال، مع إجراءات أمن إضافية من شركات التكنولوجيا. ونأمل مع مرور الوقت وزيادة الرياديات النساء في القطاع أن تتمكن شركات التكنولوجيا من استغلال نسبة أكبر من العمالة النسائية. يوجد لدى شركات التكنولوجيا الكثير لتقدمه للنساء في العالم العربي، والنساء لديهن الكثير ليقدمنه لشركات التكنولوجيا.
تستمر الشركات التكنولوجية في خلق الاضطرابات بالبيئات التي أبعدت النساء العربيات عن النشاط الاقتصادي، ومع فتح مجال التكنولوجيا أبوابها للنساء، ستكون قوة التغيير عنيدة. ربما لن يدور السؤال الحقيقي في ذلك الوقت حول من سيدعم القوة الاقتصادية للنساء العربيات الموهوبات، ولكن من يمكنه أن يوقفها؟
كتب هذا المقال أحمد الألفي وآيريس بطرس وتم نشره من قبل على موقع The Cairo Review.
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات