أنت هنا

اشتغل علشان تعيش - الثقافة المصرية وتأثيرها على الشركات الناشئة

منذ 6 سنوات 11 شهراً

هذا المقال هو المقال الثالث من سلسلة مقالات تأثير الثقافة المصرية على الشركات الناشئة. اقرأ المقال الأول من هنا، والثاني من هنا.

محسن بيه: طمنني يا رأفت أخبار البرنامج الجديد أيه؟

رأفت: اي برنامج يا أفندم ؟

محسن : البرنامج اللي نزلناه للأطباء علشان يساعدهم في ادارة عياداتهم

رأفت : مافيش مبيعات يا أفندم ولا نسخة اتباعت

محسن: ليه الناس مش عاجبها واجهة البرنامج ؟

رأفت : لا يا أفندم بس هما ما بيحبوش يستخدموا الكمبيوتر في الحاجات دي ؟

محسن : يعني ما عندهمش أجهزة في عياداتهم ؟

رأفت : عندهم يا أفندم بس هما بيستخدموه في ابحاثهم و كتابة مراسلاتهم لكن التطبيق ده مش عاجبهم

المشكلة فين؟

المؤشر الثالث لهوفستيد يطلق عليه موشر الذكورة او “Masculinity” و هذا المؤشر - كما يبدو من أسمه -  يعبر عن مدى تفوق خصائص الذكورة على خصائص الأنوثة في المجتمع. ولكن الأسم خادع بعض الشيء فهو يتحدث بالدرجة الأولي على خاصيتين متناقضتين وهما: هل المجتمع يفضل القوة والنجاح المهني أم يفضل إعلاء قيمة الاستمتاع بالحياة دون جهد كبير؟. وهنا يجب أن ندرك أنه كلما ارتفعت قيمة المؤشر في بلد ما فهذا يعني أن ثقافة المجتمع تعلي من قيم الذكورية. وهذا ينطبق على الجنسين في البلد اي أن كل من الرجال والنساء يفضلون خصائص ذكورية مثل التنافسية و الإنجازات و النجاح. بينما انخفاض المؤشر يعني سيادة القيم الأنثوية في المجتمع (أيضاً للذكور والإناث) وهذا يعني قيم مثل العناية بالآخرين وجودة الحياة اي أن هذا المجتمع يعتبر أن مقياس النجاح هو جودة الحياة.

وبالتالي سنفاجئ أن دول نظنها في قمة الذكورة قد تسجل مقياس أنثوي. روسيا مثلاً تسجل في هذا المقياس 36 اي أن المجتمع الروسي يقدم جودة الحياة على التفوق المهني ويعتبر أن قمة الإنجاز هو أن تعيش حياة مرفهة.

بينما سنجد أن يابان تسجل 95 أي أن المجتمع الياباني يعلي كثيراً من قيمة التفوق العلمي والإنجازات الملموسة عملياً على أرض الواقع وطبعاً هذه ليست بمفاجأة فيكفينا أن ننظر لجودة المنتجات اليابانية والفن الذي يبدعه اليابانيون في الطعام والمنتجات اليدوية.

وهذا من العوامل المترسخة في الوجدان الياباني حيث يتم تنشأة الأطفال في المدارس على التنافسية من أجل التفوق العلمي والرياضي في فرق ناجحة. كما يتم ترسيخ ذلك في الشركات اليابانية التي تدفع الموظفين للإنضمام لفرق عمل تتنافس سوياً من أجل الوصول لأفضل منتج أو أحسن خدمة عملاء.

مصر تسجل على هذا المؤشر 45 وهذا يعني اننا دولة تميل للجانب الأنثوي!! نعم قد تكون هذه مفاجأة لكن هل تذكر متى كان النجاح والمنافسة أساسأ للإختيار في البيئة المصرية؟

ذلك يعني اننا مجتمع يفضل أن يعيش حياة رغدة هنيئة ولو كان هذا على حساب ما ننتجه أو نتقنه. نرى تأثير ذلك بقوة في أن المصريون يفضلون السيارات الفارهة كالمرسيدس والشيروكي متى توافرت القدرة الشرائية. ونجد أنهم يستميتون للسفر للتصييف سنوياً مهما كان دخل الأسرة ولذلك تنتشر المصايف الصالحة لجميع طبقات المجتمع بداية من جمصة ورأس البر حتى الساحل الشمالي وشرم الشيخ، بينما يسافر الأغنياء لأوروبا وماليزيا وتركيا ولبنان.

الثقافة المصرية بها جانب أنثوي إيجابي جداً وهو العناية بالآخرين فنحن لا نتأخر في مساعدة الغير متى استطعنا لذلك سبيلاً. فتجد أن التكافل المصري ايضاً متميز بين كافة المستويات بداية من مشروع النقطة في الأفراح الشعبية التي تعتبر من المقدسات في مجتمع الحارات الشعبية المصرية والتي قد تكون العامل الرئيسي في إتمام معظم الزيجات في هذا المجتمع، ومروراً بمشاريع ضخمة ورائعة ما كان يمكن أن تتم لولا مساهمات أغنياء وفقراء مصر مثل مشروع مستشفى 57357 ونشاطات جمعية رسالة والأورمان ومصر الخير.

لكن السؤال المهم: كيف يمكن أن يؤثر ذلك على الشركات الناشئة في مصر؟

أولاً عندما تقوم بحملات إعلانية عليك بالتركيز على ما يجعل حياة الناس أفضل و أسهل.

لماذا نجح تطبيق مثل "بيقولك"؟ لأنه يركز على تلك النقطة فهو يوفر لك وقتاً كنت ستقضيه في الزحام المروري بأن يرشدك لطريق أسرع أو يخبرك أن كل الطرق مزدحمة فيكون من الأفضل لك أن تجلس في مكانك حتى يقل الازدحام .

كلما كان المنتج الذي تقدمه شركتك يساعدهم في الوصول لحياة مريحة ومرفهة، كان ذلك هو طريقك لقلوبهم. بينما لو ركزت علي أن تجعلهم يتفوقون على أقرانهم أو قدمت لهم خدمات ترفع من تنافسيتهم، فلن تجد الكثير من الزبائن لهذا المنتج .

الدليل على ذلك هو حملات فودافون المتتالية من أجل تقديم خدمات للشركات الصغيرة (ريد لاين)، والتي تميزت بإعلانات رائعة في تصميمها لكن للأسف تخاطب القيمة الخطأ داخل موروث المصري الثقافي. فالمصري لا يريد إنجاز أعماله أسرع أو أرخص ولكنه يريدها أسهل وأريح.

ثانياً لابد أن تدرك أن فريق العمل المصري لن يهتم كثيراً بالتنافس من أجل الوصول للقب الأقوى والأفضل. ولن تحفزهم كثيراً مسابقة الموظف المثالي وأفضل عامل في الشهر للوصول لمستوى جودة عالي. لكن عليك بتحفيزهم بمستوى حياة أجمل وأفضل، وكلما كان ذلك في نشاطات جماعية كلما كان أحسن لأننا مجتمع جماعي (راجع المقال الثاني هنا). على سبيل المثال، الرحلات المؤسسية والأنشطة العائلية لها مفعول السحر بهذه الحالات.

انتظر المقال القادم من سلسلة مقالات تأثير الثقافة المصرية على الشركات الناشئة. 

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك