أنت هنا

ظهور الحوسبة الفائقة

منذ 8 سنوات أسبوع واحد

تم إعادة نشر هذه المقالة من:  Innovation Excellence

مصدر الصورة: Donna Cleveland / CC_BY

"لم يقدر لنا بعد أن نرى الشبكة كما تخيلتها. ولا يزال المستقبل أكبر بكثير من الماضي" تيم بيرنرز-لي

من المؤكد أن أواخر السبعينات كانت فترة مجنونة! فبالإضافة لما قدمه أشخاص مثل ستيف جوبز وستيف وازنياك وبيل جيتس وتيم آلن، كان هناك أوزبورن، وبريكلين، وبيديل، وباشنيل. لابد أن كل هؤلاء كانوا يعرفون أنهم على وشك إحداث طفرة ما لكنهم لم يكونوا قادرين على معرفة أبعادها بالضبط. كانت الطفرة بالطبع هي ظهور عصر الكمبيوتر الشخصي.

أتت أواخر التسعينات مماثلة لأواخر السبعينات، بما قدمه برنرز لي، وأندرسن، وميتكالف، وكلارك.. مرة أخرى كان هناك هذا الشعور بالتعجب من هبوب عاصفة التكنولوجيا وتكاتف القوى التكنولوجية وقادة الأفكار الذين جمعوا العالم بطرق مختلفة. لم يكن هناك مؤشر مثالي يمكننا أن نتوقع منه ما الذي كان على وشك الحدوث، لكن كانت هناك بعض المؤشرات والتوقعات (أتذكرون بيتس دوت كوم؟)، وكانت تلك الفترة هي بداية عصر الشبكة.

منذ التسعينات، أضافت التكنولوجيا الكثير وغيرت أكثر في الطريقة التي نعيش ونعمل بها. وكان التغيير الجذري هو أن أجهزة الكمبيوتر الخاصة صارت محمولة وأصغرفي الحجم. أما اليوم فإننا في موقف مماثل مع مارك زاكربرج، وكووك، وبيزوس وماسك. فإلى أين نتجه؟ وما الذي سيكون عليه العصر الجديد؟ إننا مقبلون على عصر الحوسبة الفائقة  Transcendent computing.

ترجع جذور الحوسبة إلى بليز باسكال، الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي. كان والده مفتش ضرائب، وفي محاولة منه لتسريع عملية الحسابات المرهقة، بنى آلة حاسبة. كان هذا أول جهاز يقوم بالحساب الآلي وهذا هو أول كمبيوتر فعلي. كان هذا في عام 1645، أي منذ قرابة الـ500 عام. منذ ذلك الحين اتجهنا من أجهزة الكمبيوتر الضخمة المعزولة في طوابق كاملة، إلى أجهزة إلكترونية صغيرة، مبهجة ومتصلة ببعضها.

لو أردنا أن نلخص مراحل تاريخ الكمبيوتر فسنضعها هكذا:

كمبيوتر ميكانيكي: بدءا من ماكينة باسكال التي تقوم بالحسابات، ومحرك باباج الذي يقوم بالتحليل

كمبيوتر إلكتروني ضخم: هارفارد مارك 1، إنياك ENIAC، ويونيفاك UNIVAC.

كمبيوتر كبير: سلسلة آي بي إم 7000، أنظمة آي بي إم 360، الكمبيوتر المصغر (DEC PDP-1, DEC VAX/VMS)

كمبيوتر بطيء: الكابلات، البطاقات المثقبة، أجهزة سطر الأوامر

كمبيوتر صغير: كومودور، آبل II، تي آر إس 80، أتاري، آي بي إم، أوزبورن، ماك، أميجا

كمبيوتر مبهج: زيروكس بارك، ليزا، ماك، نيكست، ويندوز، أو إكس إس، آي أو إس، أندرويد

كمبيوتر محمول: عنوان الإنترنت، متصفح، موزايك، إتش تي إم إل، دابليو دابيلو دابليو، نستكيب، إنترنت إكسبلورر، خدمات الشبكة.

كمبيوتر الهاتف: نيوتن، الكمبيوتر اللوحي، بلاك بيري، ويندوز موبايل، آي فون، أندرويد

بشكل عام ستلاحظ أننا انتقلنا من الأضخم إلى الأصغر فيما يتعلق بحجم الكمبيوتر، ومن الأجهزة المعزولة إلى المتصلة فيما يتعلق بالاتصال بالشبكة، ومن المرهق البطيء إلى المبهج فيما يتعلق بتجربة المستخدم نفسها. اليوم تجتمع هذه الاتجاهات لتجعل الكمبيوتر يتجاوز موقعك وخصائص جهازك ويصبح متعلقًا بك أنت، وبتجربتك الشخصية، وبطريقة سير حياتك.

قبل عصر الكمبيوتر الشخصي كانت حياتنا أقل ميكنة وأوتوماتيكية وغير معروضة بشكل دائم عبر الإنترنت. لم يكن هناك وجود لما يسمى بالشبكة، أو الحوسبة أو "الحاسوب كامتداد لدماغك" إذا جاز لنا أن نسميها ذلك. كنت قادرًا على أن تكون نفسك دون أن تحتاج لحمل هويتك الإنترنتية معك أينما ذهبت. لم يكن لديك حساب على فيسبوك أو تويتر أو لينكد إن. لم يكن هناك سوى أنت وحسب.

لكن ربما كانت النتيجة المشوقة والمدهشة لكل هذه القوى الناشئة هي أنها تعيدنا ثانية للوقت الذي كانت فيه تجاربنا شخصية جدًا، وتعبر عنا بالفعل. الفرق الرئيسي هو أن تجربتنا الحاسوبية صارت متجاوزة. لم يعد الكمبيوتر امتدادًا لحياتنا، ولم يعد شيئا لابد أن نقوم به مهمة تلو الأخرى، لكنه صار متعلقًا بما نحن عليه كأشخاص. لم يعد شيئا يظهر فجأة في حياتنا ويخرج منها فجأة، ولكن شيئا موجوداً في كل مكان وفي كل وقت، بغض النظر عن مكانك أو ماتفعله في الوقت الحالي.

كيف ستشكل هذا العصر؟ وكيف ستكون نتائجه؟ هناك الكثير من التخمينات بالطبع، لكن هناك أيضًا الكثير من التلميحات التي نراها الآن. في الوقت الحالي نجد أننا نبني وجودنا الشخصي على الإنترنت سواء كانت هويتنا على فيسبوك أو لينكد إن، أو أفكارنا عبر تويتر وبينتريست، أو حتى لحظاتنا التي نشاركها عبر سنابت تشات وإنستجرام. إننا -بمعدلات مختلفة وبطرق مختلفة- نصنع أكوامًا من البيانات عن عملنا وصحتنا وأسفارنا وعلاقاتنا وحياتنا المهنية وتنقلاتنا وبيوتنا.

وفي المجمل، صار كلٌ منا يبني "سحابة شخصية" وهي عبارة عن مجموعة من منصات الكمبيوتر التي تعي بوجودنا طول الوقت، ومستعدة دائمًا  لعرض ما نعطيه إياها من معلومات تنتج من إعادة ابتكارنا لأنفسنا. سواء كانت هذه المعلومات شخصية للغاية عن بيوتنا وسياراتنا وهواتفنا وساعاتنا الذكية، أو منصات وظيفية مثل مكاتبنا وجهاز الكمبيوتر الخاص بالعمل وحتى منصات التجزئة مثل المتاجر والمطاعم والبنوك.

بينما نحمل هويتنا معنا طول الوقت ونذيعها، أصبح وجودنا نفسه هو ما يدير  أجزاءً كثيرة من حياتنا. بكلمات أخرى؛ ستتجاوز الحوسبة موقعنا والمنصة الحاسوبية التي نستخدمها. وبينما نمضي في حياتنا وخلال يومنا،تصبح تجربتنا الحاسوبية منسوجة ومندمجة في الأشياء التي نفعلها.

التجزئة: المقهى والبقالة والمحلات التي تشتري منها الملابس وأي متاجر تجزئة تختارها سيصبح لديها القدرة على معرفة ما تفضله في مشترياتك.

الماليات: البنك وسمسار البورصة ومستشارك المالي سيبقونك دائمًا على اطلاع بكل ما هو جديد، ويرشدونك، ويلاحظونك ويتأقلمون مع ما يحدث في حياتك.

الصحة: ستصبح حالتك الصحية تحت الملاحظة طول الوقت بما يمنحك إرشادات مستمرة عن السلوكيات والعادات الصحية التي يجب أن تتبعها وكذلك تكتشف أي أمراض قبل حدوثها.

العمل: كل الاجتماعات والتنبيهات ورسائل البريد الإلكتروني ستدخل وتخرج من جدولك بالطريقة التي تحددها مما يجعل من السهل عليك التعامل مع الأمور المهمة في حياتك.

الاجتماعيات: يصبح مرور الناس في يومك سلسًا سواء كان صديقًا في منطقة قريبة منك تود التواصل معه، أو أحد الأقارب في قارة أخرى.

الوجود: ستتكيف بيئتك مع وجودك، فإذا اقتربت من المنزل سيتم ضبط درجة الحرارة، وصوت الموسيقى ودرجة الإضاءة والظلام مع الإعدادات التي اخترتها لها.

السفر: سيارتك التي تقود نفسها بنفسها ستفهم خريطة حيك، وتعرف جدولك اليومي، والطرق التي تفضلها، وتكون على معرفة بمعلومات التأمين الخاصة بك وتستخدم كل هذا لتتخذ قرارات من شأنها أن توصلك لأي مكان سالمًا وفي الموعد المناسب.

العائلة: ستكون على اطلاع دائم بمكان أطفالك وماذا يفعلون، مما يعطيك الفرصة بتوجيههم وتربيتهم ليصبحوا بالغين أذكياء.

لمحات: تدفق دائم من البيانات عنك لأوصياء توافق عليهم ستعطيك لمحات ديناميكية عن مدى صحة أي فعل تقدم عليه، متضمنًأ حميتك الغذائية والتمارين والصداقات والعمل والمعرفة والأطفال.

الأمان: ستستطيع سيارتك أن تعرف من أنت وتفتح لك الباب عند اقترابك منها، ونفس الأمر سيتم في منزلك ومكتبك ومكان عملك.

السمعة: سيتم تطوير سجل نقاط للسمعة مثل نقاط الدَّيْن، يعمل كمؤشر لسلوكك المستقبلي، وقابليتك للتوظيف والتأمين، مما يعطي للشركات التي تسعى للتوظيف وشركات التأمين أو أي مؤسسة أخرى معلومات عن تكلفة التعامل معك.

هذه الرحلة الحاسوبية المدهشة التي بدأت عام 1645 وقادتنا إلى عصر الكمبيوتر الشخصي وأجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت، تترك الآن هذين العصرين لتقف على مشارف عصر الحوسبة الفائقة. من يمكنه أن يتوقع إلى أين ستقودنا هذه العاصفة المثالية من التكنولوجيا والابتكار؟، أينما تقودنا فمن المؤكد أنها ستغير حياتنا بطرق لا يمكننا تخيلها.

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك