أنت هنا

إنتجريت: رحلة من جامعة حلوان إلى سيليكون فالي

كل صيف، يقدم آلاف الطلبة مشاريع التخرج الخاصة بهم. ليال طويلة ومقابلات لا حصر لها، وقت ومجهود مبذولان، ولكن حينما يأتي الخريف ويحصل هؤلاء الطلبة على عروض وظيفية، لا يبقى من هذه المشاريع سوى صور للذكرى.

لم يكن هذا الحال بالنسبة لفريق من الطلبة، فمشروع تخرجهم كان بمثابة نقطة بداية لرحلة أطول، بها صور للذكرى ولكن بدون عروض وظيفية تقليدية. الرحلة حتى الآن تتضمن إطلاق شركتهم ،إنتجريت، والتي استطاعت جمع أكثر من ٨٠ ألف دولار، وتحمل براءة اختراع لمنتج حاصل على عدد من الجوائز.

البداية

كانت البداية عام ٢٠١١، عندما قرر ٨ طلاب في جامعة حلوان عمل مشروع تخرج يساعدهم على التعلم، ويساعد الطلبة الآخرين أيضاً: البريد بورد الذكية (Smart Bread Board).

البريد بورد هي منصة يستخدمها طلبة هندسة الالكترونيات، تعمل كأساس للمكونات الالكترونية، يوضح عمرو صالح، المدير التنفيذي لإنتجريت. تحتاج هذه المكونات إلى عملية تركيب معقدة، تستغرق وقتاً ومجهوداً كان من الممكن توجيهه نحو تصميم المشروع والابتكار فيه.

لتوفير حل لهذه المشكلة، قام الفريق بتصميم البريد بورد الذكية. البريد بورد الذكية تمكن الطلبة والمهندسين من العمل على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، والتي تتواصل مع أداة تقوم بتركيب الدائرة في الواقع.

"بدلاً من بناء ٥ مشروعات في الفصل الدراسي، البريد بورد الذكية تمكنك من بناء ١٠،١٥،٢٠". يوضح صالح، "أن ما تفعله بالفعل هو تعديل يستغرق ٥ دقائق."

فاز فريق البريد بورد الذكية بمسابقة "صنع في مصر"، بالإضافة إلى النسختين المحلية والدولية من مسابقة "أيديا تو بروداكت" (من الفكرة إلى المنتج) في مصر والسويد. ومن هنا بدأ مسار الرحلة في التحول.

"اكتشفنا أن لدينا شيئاً جيداً. قلنا لأنفسنا: فلنبن عليه."

أثناء مضيهم في طريقهم نحو الخطة المرسومة، ترك الفريق خلفه الوظيفة المستقرة والمرتب الثابت.

يكمل صالح: "كان كل منا يعرف ما يريد، فإما أن نجمع ما فعلناه كله في سيرة ذاتية تؤهلنا للحصول على بضعة آلاف الجنيهات شهرياً، أو أن نبني ما نريد."

"هذا ما اجتمعنا عليه- نريد أن نبني شيئاً خاصاً بنا."

سعى الفريق في الطريق البحثي، ولكن المحاولة لم تفلح.

يقول صالح "تواصلنا مع جامعة النيل ومدينة زويل. للأسف كان التفاعل بطيئاً للغاية بسبب المشكلات التي كانت قائمة بين المؤسستين."

على غير ما كان في خطتهم، قرر الخريجون الجدد إطلاق شركتهم والبحث عن استثمارات.

"قابلت هاني السنباطي في أحد الفعاليات وقدمت له الفكرة وأعجبته." يكمل صالح، مشيراً إلى مدير شركة سواري فنتشرز، الشركة المؤسسة لحاضنة أعمال فلات سيكس لابز Flat6Labs

"نظمنا مقابلة وانضممنا إلى فلات سيكس لابز، هذه كانت البداية."

في أول سنة لها، استطاعت انتجريت أن تتلقى تمويلاً أولياً من فلات سيكس لابز، وأن تحصل على استثمارات من كايرو انجلز، ثم انضمنت إلى برنامج حاضنة الأعمال التابع لمركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال TIEC. بالرغم من ذلك، كانت الشركة مازالت تحتاج إلى دعم.

يقول صالح: "ظلت الشركة لا تحقق أي أرباح لمدة عام. كان هذا العام هو الأصعب علينا."

"بعد إطلاق ١-شيلد، أصبح لدينا ربح شبه مستقر."

١-شيلد: فكرة قيد العرض

يصف صالح ١-شيلد "كأدة صناعة نماذج للصناع."

"إذا كانت لدي فكرة مشروع وأريد أن أنتجه، أقوم بعمل نموذج أولاً. أقوم بشراء أجهزة الاستشعار والمكونات الالكترونية، ثم أنفذ النموذج. هذه العملية تستلزم عدداً من الأدوات."

فكر إسلام مصطفى، المدير التكنولوجي لإنتجريت: “لماذا لا نستخدم الهواتف الذكية في صناعة النماذج؟”

بإمكان الهاتف الذكي أن يتصل بالإنترنت، ويتعرف على الصوت، وغيرها من الخصائص. أحد الأدوات الشائع استخدامها بين الصناع هي الأردوينو، والذي يصفه صالح بعقل المشروع. يتيح الأردوينو للصناع أن يستخدموه في مختلف الوظائف. على سبيل المثال، في حالة توفير جهاز استشعار للحرارة، وتوصيلة بجهاز تكييف، فمن الممكن استخدام الأردوينو لفتح جهاز التكييف إذا ارتفعت الحرارة عن درجة معينة.

حتى يتمكن الأردوينو من أداء بعض الوظائف، كالاتصال بالانترنت، تحتاج إلى وحدة إلكترونية module. الوحدة الالكترونية التي يتم تركيبها على الأردوينو تسمى شيلد sheild

يضيف صالح: "ما فكرنا به هو التالي: لم لا نستخدم الهاتف الذكي كشيلد واحد؟ طورنا برنامج للهواتف الذكية ولوحة إلكترونية، يتصل الاثنان معاً من خلال البلوتوث. بإمكانك القيام بعدة وظائف مثل التصوير، من خلال  ضغطات أزرار قليلة."

ولكن حتى يتمكن ١-شيلد من رؤية النور، كان على الفريق خوض مغامرة مالية.

التمويل الجماعي ل١-شيلد

في ٢٠١٣، أطلقت إنتجريت حملة على كيك ستارتر، موقع عالمي للتمويل الجمعي، بهدف جمع ١٠ آلاف دولار لإطلاق منتجهم الجديد.

يوضح صالح: "إننا نعرض فكرة تقنية، السوق التقني أكبر بكثير خارج الشرق الأوسط."

ويرى صالح أن سبب ذلك يرجع إلى انتشار ثقافة "اصنعها بنفسك" خارج المنطقة.

"في الولايات المتحدة مثلاً، قد ترى رجلاً في الخمسينات من عمره يحاول أن يصنع آلة تمكنه من التحكم في بوابة الجراج الخاص به. بدلاً من أن يشتري واحدة بما يفوق ١٠٠٠ دولار، يفضل هو أن يصنعها بنفسه بتكلفة ١٠٠ دولار. هذا ليس الوضع هنا."

ويكمل: “ لقد تمكنا من جمع ٨٥ ألف دولار من أصل  هدف ١٠ آلاف. تلقينا دعماً من أكثر من ٥٥ دولة، بعضها في الشرق الأوسط وأغلبها لا."

تجارب الماضي وخطط المستقبل

على الرغم من حصولهم على آلاف العملاء، يرى صالح أن الشركة ما زالت تحتاج إلى بعض الوقت حتى تنمو.

"لا أعتقد أننا ناجحون. قمنا ببناء شئ جيد ولدينا نقاط جيدة على الطريق، ولكن المجال صعب والمنافسة شديدة- لابد أن نبتكر."

وجود الشركة في مصر يمثل تحدياً في البعد عن العميل. أغلب المكونات الإلكترونية صعب الوصول إليها، وكثيراً ما توجد عقبات في الجمارك. ولكن هناك بعض المميزات أيضاً.

"تكلفة التطيور أقل كثيراً هنا. إذا أردنا تعيين مهندس في سيليكون فالي، سيكلفنا ذلك كل مرتباتنا مجمعة."

ولكن أغلب الموارد والشركاء المحتملون والفعاليات وحتى العملاء في الولايات المتحدة، فإن الشركة تدرس الانتقال إلى سان فرانسيسكو، بعد البحث عن تمويل في العام المقبل. على الرغم من ذلك، سيبقى أغلب الفريق في مصر. وأوضح صالح أن الفريق في الوقت الحالي يركز على بناء "شركة كبيرة"، ولا توجد أي خطط لبيع الشركة.

"أنت لا تقوم ببناء شركة حتى تبيعها، بل تبنيها لتنمو."

يكمل قائلاً: "إذا أصبحت كبيرة بشكل كافٍ سيريد الناس شراءها. من الممكن أن نعرض أسهماً في اكتتاب عام ثم نرى."

ماذا أفعل لو كنت ريادياً في بداية رحلته؟

على الرغم من شدة المنافسة، يؤمن صالح أن أي طالب بإمكانه الدخول إلى السوق العالمية.

"لم لا؟ يحتاج فقط لأن يحيط نفسه بفريق جيد، ومجموعة من أصحاب الخبرة الذين بإمكانهم تقديم المشورة له. هذا كل شئ."

"من خبرتنا القليلة، يمكنني أن أقول: إذا لم يكن فريقك جيداً، لا يمكنك فعل شئ."

ويوضح أن المستثمرين "يستثمرون في الناس وليس الأفكار"، لهذا لم يترك أحد منهم إنتجريت بعد تجميد منتجها الأول.

"ركز. استمر في العمل سريعاً. إننا نستغرق حوالي ٧ أو ٨ أشهر لنطلق النسخة الأولى من المنتج ثم نقوم بتجريبها لاحقاً، رغم أننا يمكننا تجهيز نسخة أبسط وتجربتها مبكراً."

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك