تمويل ريادة الأعمال في القاهرة الجزء الثالث
هذا المقال جزء من سلسلة اقتصاديات المحضر وهو نشرعلى موقع progrss تحت رعاية district coworking space.
في الجزء الثاني من سلسلة اقتصاديات الحضر، نعرض دور التمويل والسياسات في نمو ريادة الأعمال في المشروعات التكنولوجية والصناعات التقليدية (غير التقنية) بمدينة القاهرة.
يعتبر القطاع المصرفي في مصر من أكبر القطاعات وأكثرها تنوعاً في الشرق الأوسط بوجود حوالي ٤٠ بنك يعملون ب ٣٦٩٠ فرع. وعلى الرغم من ذلك، لايزال أكبر مصدر تمويل لرواد الأعمال والشركات الناشئة هو الموارد المتوفرة من دعم الأهل والأصدقاء، وتغلغل ذلك القليل من الموارد المصرفية كالقروض وأيضاً الطرق الغير رسمية الموازية والتي تعرف بين عموم المصريين ك "الجمعيات." وقد أوضحت تقديرات البنك الدولي لعام ٢٠١٤ أن حوالي ١٤٪ فقط من المصريين البالغين لديهم حساب بنكي، وعلى الرغم من أن أقل من ٢٪ من البالغين لديهم بطاقات ائتمان، إلا أن نسبة الاقتراض من الأهل والأصدقاء تصل إلى ٢٢%.
وعندما يتعلق الأمر بوجود حسابات مصرفية مسجلة للمواطنين، فإن المناخ الاستثماري لريادة الأعمال لا يمكن عزله عن مناخ الاستثمار العام في مصر، وهو عموماً غير موفق حيث تحتل مصر المرتبة ١٣١ من أصل ١٨٩ دولة في إحصائية البنك الدولي “للدول المشجعة لإقامة مشاريع بها" في ٢٠١٦. وفي الواقع، فإن مناخ سوق الأعمال في مصر لا يبعث على الرضا، حيث تأتي مصر في المرتبة ١٣٧ من أصل ١٤٠ دولة والتي شملتها الدراسة الاستقصائية "مؤشر القدرة التنافسية العالمية" في منتدى الإقتصاد الدولي (WEF) عندما يتعلق الأمر بالبيئة الاقتصادية الكلية.
ومع عدد قليل من شركات رأس المال المغامرة (venture capital firms) في القاهرة، ومعظمهم أنشأ في الخمس إلى العشر سنوات الماضية –فلا عجب أن رواد الأعمال في جميع القطاعات لا يستطيعون الحصول على تمويل بسهولة. ووفقًا لهيثم وجيه مدير صندوق الاستثمار بالبنك العربي الافريقي الدولي وعضو مجلس الإدارة بالمؤسسة المصرية لصناديق الاستثمار الخاصة ،(EPEA) فإن العديد من أصحاب رأس المال المغامر(venture capitalists) درسوا وعملوا بالخارج، فلذلك غالباً ما يأتون بعقلية الاستثمار العالمي؛ و نظرا لتوجه مناخ الاستثمار العالمي نحو التكنولوجيا، فتجد أن أغلبهم يفضل إستثمار أمواله في مجال التكنولوجيا. ويوضح أن على الرغم من مؤسسات الاستثمار الخاص مثل البنك العربي الأفريقي الدولي ليست بالضرورة ضد للاستثمار في المشاريع التكنولوجية إلا أن معظم استثماراتهم الحالية في مجال الأغذية والمشروبات وقطاع الخدمات المالية.
ويقول محمد الصاوي مؤسس The Courtyard والرئيس التنفيذي لشركة مصر للمقاولات Encon، أن عدم وجود ثقافة عامة للمجازفة هي أحد التحديات الرئيسية التي تواجه تطوير مجتمع ريادة الأعمال في مصر. ويوضح أنه: "من الصعب جداً لأي شركة ناشئة إقناع أي رجل أعمال أن فكرتهم هي الفكرة الرابحة، لأنه لا يوجد لديهم أي بيانات أو إثبات لكلامهم بالأرقام."
"ومن أجل أن يستثمر أي شخص في شركة ناشئة في مصر يجب عليه أن يثبت أن شركته تحقق أي ربح، على عكس المستثمرين في الخارج فهم فقط يحتاجون لإثبات أن هناك من يرغب في شراء تلك المنتج أو الخدمة.
وقد أنشأت نيفين الطاهري المستشار مالي ورائدة الأعمال ما يزيد عن خمس شركات في قطاع الخدمات المالية على مدار العشرون سنة الماضية. ومنذ عامين، أنشأت Delta Inspire وهي شركة لإدارة الاستثمار وPyramids 138 وهي شركة استثمار لرأس المال المغامر والتي تدير حوالي ٧٠ مليون جنيهاً من التمويلات، وقد استثمرت بالفعل في خمس شركات، من مختلف القطاعات من الملابس والأزياء للتعليم والتكنولوجيا. وتوضح أن فرص التمويل مفتوحة لشركات التكنولوجيا ولكنها تفضل الإهتمام بقطاعات أخرى كالاستثمار في الشركات التي تخلق فرص العمل، ولكن هناك أيضاً مستثمرون يستهدفون شركات التكنولوجيا فقط. وتقول: "ونحن مهتمون أكثر بالتنمية –وهذا لا يعني أن نحن لسنا موجهين نحو الأرباح فقط، ولكن نركز على الشركات التي تساعد على خلق فرص عمل في السوق المصري."
ووفقاً للطاهري فإن المناخ الاقتصادي الحالي بطبيعة الحال يجعل الاستثمار مجازفة. "إذا كان لديك أداة خالية من المخاطر وهي وضع أموالك في البنك، والحصول على ١١ إلى-١٢% عائد سنوي (وهو العائد السنوي على سندات الحكومة) فما الذي يجعلك إذن تضع أموالك في شركة وأنت غير واثق من الربح؟" ثم تشرح أن المستثمرين عليهم أن يكونوا مقتنعين بأن استثمار أموالهم في شركة ناشئة سوف يجني عوائد أكبر، فهي رحلة مجازفة وإيمان بفكرة وقبل ذلك فهم يريدون أن يكونوا جزء من مجتمع رأس المال المخاطر.
وتقول دينا الشنوفي المدير التنفيذي للاستثمار في Flat6Labs، ومدير الاستثمار في Sawari Ventures، أنه على الرغم من أن Flat6Labs بدأت كحاضنة أعمال (incubator) لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فقد توسعت إلى قطاعات عدة على مدار السنوات الخمس الماضية. ووفقًا لها، إن الدعم المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة التكنولوجية والغير تكنولوجية يصبح واضحاً بمجرد خوض الجولة الأولى من التمويل. وتقول: "رواد الأعمال الذين يعملون بمجالات غير التكنولوجيا لا يجدون مستثمرين لدعمهم بعد خوض الجولة الأولى من التمويل." وحين يبدأ رواد الأعمال الذين لا يعملون في المجالات التكنولوجية في جمع الأموال من المستثمرين، فهم نادراً ما يناسبون أجندة مستثمرين رأس المال المخاطر (venture capital) والتي تتطلع للاستثمار في التكنولوجيا وفي نفس الوقت هم غير جاذبون وشركاتهم صغيرة جداً بالنسبة للمستثمرين الآخرين. وتضيف: "أنه أمر أسهل بكثير أن تبيع شركة ناجحة لمستثمرين رأس المال المخاطر من بيع شركة غير تكنولوجية لهم."
وفي حين أن أصحاب الشركات التكنولوجية يمكنهم الحصول على تمويل من عدة مصادر من ضمنها المستثمرين الملاك (angel investors) ورأس المال المغامر (venture capital)، فهم لديهم فرص أقل بعد مرحلة النضج عند اللجوء لأدوات التقليدية كالاقتراض والائتمان. وعلى العكس الشركات الصغيرة والمتوسطة في المجالات الغير تكنولوجية، قد تجد صعوبة في جمع الأموال في مراحل مبكرة عن طريق المستثمرين، ولكن لديهم فرص أكبر من مصادر التمويل في مراحل لاحقة.
ويوضح رائد الأعمال والمستثمر وأحد مؤسسي "رايز آب ايجبت" (Rise Up Egypt) كون أودونيل أن علاوة على إنخفاض الرغبة في المخاطرة، وجود عدد قليل من المستثمرين المحليين قد يعني أن المستثمرين أصبحوا مدللين في الاختيار – على الرغم من أن هذا قد يتغير قريباً. و يقول: "أن الخبر السار أن حصولك على الاستثمار لم يعد مقتصر على مصر. يمكنك الحصول على الأموال من المستثمرين في وادي السيليكون، وهم يعطوك الكثير من الموارد، إذاً أنت لست مرتبط بالفرص المتاحة هنا فقط، ولكن معظم الناس لا يدركون ذلك حتى الآن." و يشرح أو دونيل أن انفتاح السوق "سيفرض على المستثمرين المحليين خوض المخاطرة لا محالة ومساعدة الشركات الناشئة من القاع حتى الصعود وهذا أمر لم يحدث من قبل."
وأصبح أمام رواد الأعمال عدة خيارات وليس فقط مستثمرين وادي السيليكون؛ ولكن المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط كذلك يضعون أعينهم على الشركات الناشئة في مصر. في العام الماضي، حصلت منصة التوظيف wuzzuf.com على مبلغ ١٫٧ مليون دولار من مستثمرين من الشركة السويدية Vostok New Ventures و الشركة البريطانية Piton Capital. بينما حصل موقع لمقارنة الأسعار"يا قوطة" على مبلغ ٢٫٧ مليون دولار من شركة KBBO الإماراتية.
من ناحية أخرى، يأسف وائل أمين، مؤسس شركة ITWORX والشريك في Sawari Ventures ، أن نقص الأموال هو التحدي الأكبر للمستثمرين. "إذا ضاعفنا رأس المال المتوفر في السوق حاليا مرتان أو ثلاثة أو حتى أربع أضعاف، فإنه لا يزال غير كاف لمقدار الفرص المتوفرة في القاهرة. لأن هناك فجوة كبيرة، وفي هذه المرحلة لا ننظر لمنافسة المستثمرين بعضهم البعض فنحن بحاجة إلى أن يعمل الجميع معاً كفريق واحد. ونظراً لندرة الأموال، المستوى الذي تحتاج الشركات الوصول إليه لكي تصبح جاذبة للاستثمار عالي جداً وهذا يجعل رواد الأعمال أقل طموحاً. أنها ليست مجرد مسألة وجود الكثير من الأفكار، والقليل من المال، ولكن إذا كان لديك المزيد من المال، سيصبح لديك المزيد من الأفكار."
ترقبوا المقالة الثالثة من سلسلة اقتصاديات الحضر.
هذاه المقالة برعاية
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات